الحرث الأَعْوَر: قَالَ عَلْقَمَةُ قرأْتُ القُرآن فِي سَنَتَيْنِ، فَقَالَ الحرثُ: الْقُرْآنُ هَيِّنٌ، الوَحْيُ أَشدُّ مِنْهُ؛ أَراد بِالْقُرْآنِ القِراءة وبالوَحْي الكِتابة والخَطَّ. يُقَالُ: وحَيْتُ الكِتاب وَحْياً، فأَنا واحٍ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: كَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَافِرِ، قَالَ: وإِنما الْمَفْهُومُ مِنْ كلام الحرث عِنْدَ الأَصحاب شَيْءٌ تَقُولُهُ الشِّيعَةُ أَنه أُوحِيَ إِلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شيءٌ فخَصَّ بِهِ أَهل الْبَيْتِ. وأَوْحى إِليه: بَعَثه. وأَوْحى إِليه: أَلْهَمَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ
، وَفِيهِ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها
؛ أَي إِليها، فَمَعْنَى هَذَا أَمرها، ووَحَى فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ قَالَ الْعَجَاجُ:
وحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ، ... وشَدَّها بالرّاسِياتِ الثُّبَّتِ
وَقِيلَ: أَراد أَوْحى إِلا أَنَّ مِنْ لُغَةِ هَذَا الرَّاجِزِ إِسقاط الْهَمْزَةِ مَعَ الْحَرْفِ، وَيُرْوَى أَوْحى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ووَحَى فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى كَتَبَ. ووَحَى إِليه وأَوْحَى: كلَّمه بِكَلَامٍ يُخفِيه مِنْ غَيْرِهِ. ووَحى إِليه وأَوْحى: أَوْمَأَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا
؛ وَقَالَ:
فأَوْحَتْ إِلينا والأَنامِلُ رُسْلُها
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ، فَأَوْحى إِلَيْهِمْ*
: أَي أَشار إِليهم، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَوْحى ووَحَى وأَوْمى ووَمى بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ووَحى يحِي ووَمى يَمِي. الْكِسَائِيُّ: وَحَيْتُ إِلَيْهِ بِالْكَلَامِ أَحي بِهِ وأَوْحَيْتُه إِليه، وَهُوَ أَن تُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ تُخْفِيهِ مِنْ غَيْرَهُ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فَقَالَ لَهَا، وقدْ أَوْحَتْ إِليه: ... أَلا للهِ أُمُّك مَا تَعِيفُ
أَوحت إِلَيْهِ أَي كَلَّمَتْهُ، وَلَيْسَتِ العَقاة مُتَكَلِّمَةً، إِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِ:
قَدْ قالتِ الأَنْساعُ للبَطْن الحَقي
وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ، وأَوْحى اللَّهُ إِلَى أَنبيائه. ابْنُ الأَعرابي: أَوْحى الرجلُ إِذا بعَث بِرَسُولٍ ثِقَةٍ إِلَى عَبْدٍ مِنْ عبيدِه ثِقة، وأَوْحى أَيضاً إِذا كَلَّم عبدَه بِلَا رَسُولٍ، وأَوْحى الإِنسانُ إِذا صارَ ملِكاً بَعْدَ فَقْر، وأَوْحى الإِنسانُ ووَحَى وأَحَى إِذا ظَلَمَ فِي سُلْطَانِهِ، واسْتَوْحَيْتُه إِذَا اسْتَفْهَمْته. والوَحْيُ: مَا يُوحِيه اللهُ إِلى أَنْبيائه. ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِمْ: أَنا مُؤْمِنٌ بوَحْيِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِّيَ وَحْياً لأَنَّ الْمَلِكَ أَسَرَّه عَلَى الْخَلْقِ وخَصَّ بِهِ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، المبعوثَ إِليهِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً
؛ مَعْنَاهُ يُسِرُّ بعضُهم إِلى بَعْضٍ، فَهَذَا أَصل الْحَرْفِ ثُمَّ قُصِرَ الوَحْيُ للإِلهامِ، وَيَكُونُ للأَمر، وَيَكُونُ للإِشارة؛ قَالَ عَلْقَمَةُ:
يُوحي إِليها بأَنْقاضٍ ونَقْنَقَةٍ
وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَلْهَمْتُهم كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ
، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْحَيْتُ إِلى الحَوارِيِّين أَمرتهم؛ وَمِثْلُهُ:
وحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ
أَي أَمرها، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ
؛ أَتَيْتُهم فِي الوَحْي إِلَيْكَ بالبَراهِين وَالْآيَاتِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى الإِيمان فَآمَنُوا بِي وَبِكَ. قَالَ الأَزهري: وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ
؛ قَالَ: الوَحْيُ هَاهُنَا إِلقاءُ اللهِ فِي قلبِها، قَالَ: وَمَا بَعْدُ هَذَا يَدُلُّ، وَاللَّهُ أَعلم، عَلَى أَنه وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى جِهَةِ الإِعلامِ للضَّمانِ لَهَا: إِنَّا