للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَي أَنْعَمَ عَليَّ مِنَ الْآلَاءِ، وَهِيَ النِّعَمُ، وَالْوَاحِدُ أَلًى وإِلًى، قَالَ: والأَصل فِي إِلًى وِلًى، فأَبدلوا مِنَ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ هَمْزَةً، كَمَا قَالُوا امرأَة وَناةٌ وأَناةٌ، قَالَ الأَعشى:

... وَلَا يَخُونُ إِلى ... ... وَكَذَلِكَ أَحَدٌ ووَحَدٌ

. الْمُحْكَمُ: فأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

....... الرَّكِيكَا «١»

فإِنه عدَّاه إِلَى مَفْعُولَيْنِ لأَنه فِي مَعْنَى سُقِيَ، وسُقِيَ مُتَعَدِّيَةٌ إِلى مَفْعُولَيْنِ، فَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي فِي مَعْنَاهَا، وَقَدْ يَكُونُ الرَّكِيكُ مَصْدَرًا لأَنه ضَرْبٌ مِنَ الوَليّ فكأَنه وُليَ وَلْياً، كَقَوْلِكَ: قَعَدَ القُرْفُصاء، وأَحسن مِنْ ذَلِكَ أَن وُليَ فِي مَعْنَى أُرِكَّ عَلَيْهِ أَوْ رُكَّ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ رَكِيكا مَصْدَرًا لِهَذَا الْفِعْلِ المقدَّر، أَو اسْمًا مَوْضُوعًا مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ. وَاسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ إِذا صَارَ فِي يَدِهِ. ووَلَّى الشيءُ وتَوَلَّى: أَدْبَرَ. ووَلَّى عَنْهُ: أَعْرَضَ عَنْهُ أَو نَأَى، وَقَوْلُهُ:

إِذا مَا امرُؤٌ وَلَّى عَليَّ بِوِدِّه ... وأَدْبَرَ، لَمْ يَصْدُرْ بِإِدْبارِه وُدِّي

فإِنه أَراد وَلَّى عَنِّي، ووجهُ تَعْدِيَتِهِ وَلَّى بعَلى أَنه لَمَّا كَانَ إِذا وَلَّى عَنْهُ بودِّه تغيَّر عَلَيْهِ، جَعَل وَلَّى بمعنى تَغَيَّر فعدَّاه بعَلى، وَجَازَ أَن يَسْتَعْمِل هُنَا عَلَى لأَنه أَمْرٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ، وَقَوْلُ الأَعشى:

إِذا حاجةٌ ولَّتْكَ لَا تَسْتَطِيعُها، ... فَخُذْ طَرَفاً مِنْ غَيْرها حينَ تَسْبِقُ

فإِنه أَراد وَلَّتْ عَنْكَ، فَحَذَفَ وأَوصل، وَقَدْ يَكُونُ وَلَّيْتُ الشيءَ، وولَّيتُ عَنْهُ بِمَعْنَى. التَّهْذِيبُ: تَكُونُ التَّوْليةُ إِقْبالًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ*

، أَي وَجِّهْ وَجْهَك نحوَه وتِلقَاءَه، وكذلك قوله تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها

، قَالَ الفراءُ: هُوَ مُسْتَقْبِلُها، والتَّوْلِيةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِقبال، قَالَ: والتَّوْلِيةُ تَكُونُ انْصِرَافًا، قَالَ اللَّه تَعَالَى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ

، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ

، هِيَ هاهنا انْصِرَافٌ، وَقَالَ أَبو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: قَدْ تَكُونُ التَّوْلِيةُ بِمَعْنَى التَّوَلِّي. يُقَالُ: وَلَّيْت وتَوَلَّيْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تُنْشِدُ بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ:

إِذا حَوَّل الظِّلُّ العَشِيَّ رأَيْتَه ... حَنِيفاً، وَفِي قَرْنِ الضُّحى يَتَنَصَّرُ

أَراد: إِذا تحَوَّلَ الظِّلُّ بالعَشِيِّ، قال: وقوله وَمُوَلِّيها

أَي مُتَولِّيها أَي مُتَّبِعُها وَرَاضِيهَا. وتوَلَّيْتُ فُلَانًا أَي اتَّبَعْتُه ورَضِيتُ بِهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها

، يَعْنِي قولَ الْيَهُودِ مَا عدَلَهُم عَنْهَا، يَعْنِي قِبْلَة بَيْت المَقْدِس. وَقَوْلُهُ عَزَّ وجل: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها

، أَي يَسْتَقْبِلُها بوَجْهِه، وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ وَهُوَ أَكثرهم: هُوَ لِكُلٍّ، وَالْمَعْنَى هُوَ مُوَلِّيها وجْهَه أَي كلُّ أَهْلِ وِجْهةٍ هُمُ الَّذِينَ وَلَّوْا وجُوههم إِلى تِلْكَ الجِهة، وَقَدْ قُرِئَ:

هُوَ مُوَلَّاها

، قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُوَلِّيها أَي اللَّهُ تَعَالَى يُوَلِّي أَهلَ كلِّ مِلَّةٍ القِبْلة الَّتِي تُرِيدُ، قَالَ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَائِزٌ. وَيُقَالُ للرُّطْبِ إِذا أَخذ فِي الهَيْج: قَدْ وَلَّى وتَولَّى، وتَوَلِّيه شُهْبَتُه. والتَّوْلِيةُ فِي الْبَيْعِ: أَن تَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ تَوَلَّيْهَا رَجُلًا آخَرَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَتَكُونُ التَّوْلِية مصدراً، كقولك: وَلَّيْتُ


(١). قوله" الركيكا" بهامش الأصل: كذا وجدت فالمؤلف رحمه الله بيض للبيت الذي فيه هذا اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>