حُضوراً فأَراد اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عِيسَى أَنْ يُكَذِّبهم بِمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ، وأَما التَّوْبِيخُ لِعَدُوِّهِ فَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ، وَقَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها؛ وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فَهَذِهِ أُصول الأَلفات. وَلِلنَّحْوِيِّينَ أَلقابٌ لأَلفات غَيْرِهَا تُعْرَفُ بِهَا، فَمِنْهَا الأَلف الْفَاصِلَةُ وَهِيَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحدهما الأَلف الَّتِي تُثْبِتُهَا الْكَتَبَةُ بَعْدَ وَاوِ الْجَمْعِ لِيُفْصَلَ بِهَا بَيْنَ وَاوِ الْجَمْعِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا مِثْلَ كَفَرُوا وشَكَرُوا، وَكَذَلِكَ الأَلفُ الَّتِي فِي مِثْلِ يَغْزُوا وَيَدْعُوا، وَإِذَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا لِاتِّصَالِ الْمَكْنِيِّ بِالْفِعْلِ لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الأَلف الْفَاصِلَةُ، والأُخرى الأَلف الَّتِي فَصَلَتْ بَيْنَ النُّونِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الإِناث وَبَيْنَ النُّونِ الثَّقِيلَةِ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ ثَلَاثِ نُونَاتٍ فِي مِثْلِ قَوْلِكَ لِلنِّسَاءِ فِي الأَمر افْعَلْنانِّ، بِكَسْرِ النُّونِ وَزِيَادَةِ الأَلف بَيْنِ النُّونَيْنِ؛ وَمِنْهَا أَلف العِبارة لأَنها تُعبر عَنِ الْمُتَكَلِّمِ مِثْلَ قَوْلِكَ أَنا أَفْعَلُ كَذَا وأَنا أَستغفر اللَّهَ وَتُسَمَّى الْعَامِلَةَ؛ وَمِنْهَا الأَلف الْمَجْهُولَةُ مِثْلَ أَلف فَاعِلٍ وَفَاعُولٍ وَمَا أَشبهها، وَهِيَ أَلف تَدْخُلُ فِي الأَفعال والأَسماء مِمَّا لَا أَصل لَهَا، إِنَّمَا تأْتي لإِشباع الْفَتْحَةِ فِي الْفِعْلِ وَالِاسْمِ، وَهِيَ إِذَا لَزِمَتْها الحركةُ كَقَوْلِكَ خاتِم وخواتِم صَارَتْ وَاوًا لَمَّا لَزِمَتْهَا الْحَرَكَةُ بِسُكُونِ الأَلف بَعْدَهَا، والأَلف الَّتِي بَعْدَهَا هِيَ أَلف الْجَمْعِ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ أَيضاً؛ وَمِنْهَا أَلف الْعِوَضِ وَهِيَ الْمُبْدَلَةُ مِنَ التَّنْوِينِ الْمَنْصُوبِ إِذَا وَقَفْتَ عَلَيْهَا كَقَوْلِكَ رأَيت زَيْدًا وَفَعَلْتُ خَيْرًا وَمَا أَشبهها؛ وَمِنْهَا أَلف الصِّلة وَهِيَ أَلفٌ تُوصَلُ بِهَا فَتحةُ الْقَافِيَةِ، فَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
بانَتْ سُعادُ وأَمْسَى حَبْلُها انْقَطَعا
وَتُسَمَّى أَلف الْفَاصِلَةِ، فَوَصَلَ أَلف الْعَيْنِ بِأَلِفٍ بَعْدَهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا؛ الأَلف الَّتِي بَعْدَ النُّونِ الأَخيرة هِيَ صِلَةٌ لِفَتْحَةِ النُّونِ، وَلَهَا أَخوات فِي فَوَاصِلِ الْآيَاتِ كَقوله عَزَّ وَجَلَّ: قَوارِيرَا* وسَلْسَبِيلًا؛ وأَما فَتْحَةُ هَا الْمُؤَنَّثِ فَقَوْلُكَ ضَرَبْتُهَا وَمَرَرْتُ بِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَلِفِ الْوَصْلِ وأَلف الصِّلَةِ أَن أَلف الْوَصْلِ إِنَّمَا اجْتُلِبَتْ فِي أَوائل الأَسماء والأَفعال، وَأَلِفَ الصِّلَةِ فِي أَواخر الأَسماء كَمَا تَرَى؛ وَمِنْهَا أَلف النُّونِ الْخَفِيفَةِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ؛ الْوُقُوفُ عَلَى لَنَسْفَعاً وَعَلَى وَلَيَكُوناً بالأَلف، وَهَذِهِ الأَلف خَلَفٌ مِنَ النُّونِ، والنونُ الْخَفِيفَةُ أَصلها الثَّقِيلَةُ إِلَّا أَنها خُفّفت؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الأَعشى:
وَلَا تَحْمَدِ المُثْرِينَ وَاللَّهَ فَاحْمَدا
أَراد فاحْمَدَنْ، بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ، فَوَقَفَ عَلَى الأَلف؛ وَقَالَ آخَرُ:
وقُمَيْرٍ بَدَا ابْنَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ، ... فَقَالَتْ لَهُ الفَتاتانِ: قُوما
أَراد: قُومَنْ فَوَقَفَ بالأَلف؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
يَحْسَبهُ الجاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما ... شَيْخاً، عَلَى كُرْسِيِّه، مُعَمَّمَا
فَنَصَبَ يَعْلم لأَنه أَراد مَا لَمْ يَعْلَمن بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ فَوَقَفَ بالأَلف؛ وَقَالَ أَبو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
قِفا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
قَالَ: أَراد قِفَنْ فأَبدل الأَلف مِنَ النُّونِ الْخَفِيفَةِ كَقَوْلِهِ قُوما أَراد قُومَنْ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ؛ أَكثر الرِّوَايَةِ أَن الْخِطَابَ لِمَالِكٍ خَازِنِ جَهَنَّمَ وَحْدَهُ فَبَنَاهُ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِمَالِكٍ ومَلَكٍ مَعَهُ، وَاللَّهُ أَعلم؛ وَمِنْهَا أَلِفُ الْجَمْعِ مِثْلَ مَساجد وجِبال وفُرْسان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute