للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْعَامِلِ ناصِبة أَو مُفَرَّغة غَيْرُ مُسَلِّطة، وَتَكُونُ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا نَعْتًا أَو بَدَلًا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فَتَكُونُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ بِمَعْنَى لَكِنْ لأَن المُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ المُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَقَدْ يُوصفُ بإلَّا، فَإِنْ وصَفْتَ بِهَا جَعلْتها وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ غَيْرَ وأَتبعت الِاسْمَ بَعْدَهَا مَا قَبْلَهُ فِي الإِعراب فَقُلْتَ جَاءَنِي القومُ إِلَّا زيدٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا

؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ:

وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أَخُوه، ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إلَّا الفَرْقدانِ

كأَنه قَالَ: غَيْرُ الفَرْقَدَيْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ الآمِدي فِي المؤتَلِف والمُخْتَلِف أَنّ هَذَا الْبَيْتَ لِحَضْرَمِيِّ بْنِ عَامِرٍ؛ وَقَبْلَهُ:

وكلُّ قَرينةٍ قُرِنَتْ بأُخْرَى، ... وَإِنْ ضَنَّت، بِهَا سَيفَرَّقانِ

قَالَ: وأَصل إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ والصفةُ عارضةٌ، وَأَصْلُ غَيْرَ صفةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ عارضٌ؛ وَقَدْ تَكُونُ إلَّا بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ فِي الْعَطْفِ كَقَوْلِ الْمُخَبَّلِ:

وأَرَى لها داراً بأَغْدِرةِ ... السِّيدان لَمْ يَدْرُسْ لَهَا رَسْمُ

إلَّا رَماداً هَامِدًا دَفَعَتْ، ... عَنْهُ الرِّياحَ، خَوالِدٌ سُحْمُ

يُرِيدُ: أَرَى لَهَا دَارًا ورَماداً؛ وَآخِرُ بَيْتٍ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:

إنَّي وجَدْتُ الأَمْرَ أَرْشَدُه ... تَقْوَى الإِلهِ، وشَرُّه الإِثْمُ

قَالَ الأَزهري: أَما إلَّا الَّتِي هِيَ للإِستثناء فَإِنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى غَيْر، وَتَكُونُ بِمَعْنَى سِوَى، وَتَكُونُ بِمَعْنَى لَكِن، وَتَكُونُ بِمَعْنَى لَمّا، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ المَحْضِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: إِذَا اسْتَثْنَيْتَ بإلَّا مِنْ كَلَامٍ لَيْسَ فِي أَوّله جَحْدٌ فَانْصِبْ مَا بَعْدَ إِلَّا، وَإِذَا اسْتَثْنَيْتَ بِهَا مِنْ كَلَامٍ أَوّلُه جَحْدٌ فَارْفَعْ مَا بَعْدَهَا، وَهَذَا أَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ

؛ فَنُصِبَ لأَنه لَا جَحْدَ فِي أَوّله؛ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ

؛ فَرُفِعَ لأَن فِي أَوّله الْجَحْدَ، وَقِسْ عَلَيْهِمَا مَا شَاكَلَهُمَا؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وكلُّ أَخ مُفَارِقُهُ أَخوه، ... لعَمر أَبيك إِلَّا الْفَرْقَدَانِ

فَإِنَّ الْفَرَّاءَ قَالَ: الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي مَعْنَى جَحْدٍ وَلِذَلِكَ رَفَعَ بِإِلَّا كأَنه قَالَ مَا أَحَدٌ إِلَّا مُفارِقُه أَخُوه إِلَّا الفَرْقَدانِ فَجَعَلَهَا مُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِهِ مَا أَحَدٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

لَوْ كانَ غَيْرِي، سُلَيْمَى، اليومَ غَيَّرَه ... وَقْعُ الحوادِثِ إِلَّا الصَّارِمُ الذَّكَرُ

جَعَلَهُ الْخَلِيلُ بَدَلًا مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ كأَنه قَالَ: مَا أَحد إِلَّا يَتَغَيَّرُ مِنْ وَقْعِ الْحَوَادِثِ إِلَّا الصارمُ الذكَرُ، فإلَّا هَاهُنَا بِمَعْنَى غَيْرَ، كأَنه قَالَ غَيْرِي وغيرُ الصارمِ الذَّكرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا

، قَالَ: إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ سِوَى كأَنك قُلْتَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلهةٌ سِوَى اللَّهِ لفَسَدَنا، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَعْنَاهُ مَا فِيهِمَا آلهةٌ إِلَّا اللهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا سِوَي اللَّهِ لَفَسَدَتَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: رَفْعُه عَلَى نِيَّةِ الْوَصْلِ لَا الانْقطاع مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ مَعْنَاهُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُم، وَهَذَا كَقَوْلِكَ فِي الْكَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>