للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

احْتَجْتَ إِلَى إِيَّا؛ وأَما قولُ ذِي الإِصْبَعِ العَدْواني:

كأَنَّا يومَ قُرَّى ... إنَّما نَقْتُلُ إِيَّانا

قَتَلْنا منهُم كُلَّ ... فَتًى أَبْيَضَ حُسَّانا

فإِنه إِنَّمَا فَصلَها مِنَ الْفِعْلِ لأَن الْعَرَبَ لَا تُوقع فِعْلَ الْفَاعِلِ عَلَى نَفْسِهِ بِإِيصَالِ الْكِنَايَةِ، لَا تَقُولُ قَتَلْتُني، إِنَّمَا تَقُولُ قَتَلْتُ نفسِي، كَمَا تَقُولُ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، وَلَمْ تَقُلْ ظَلَمْتُني، فأَجْرى إِيَّانا مُجْرَى أَنْفُسِنا، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْذِيرِ، تَقُولُ: إِيَّاك والأَسدَ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فِعْلٍ كأَنك قُلْتَ باعِدْ، قَالَ ابْنُ حَرِّي: وَرَوَيْنَا عَنْ قُطْرُبٍ أَن بَعْضَهُمْ يَقُولُ أَيَّاك، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، ثُمَّ يُبَدِّلُ الْهَاءَ مِنْهَا مَفْتُوحَةً أَيضاً، فَيَقُولُ هَيَّاكَ، وَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي إِيَّاكَ، فَذَهَبَ الْخَلِيلُ إِلَى أَنَّ إِيَّا اسْمٌ مُضْمَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْكَافِ، وَحُكِيَ عَنِ الْمَازِنِيُّ مِثْلُ قَوْلِ الْخَلِيلِ؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَحَكَى أَبو بَكْرٍ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ عَنْ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش وأَبو إسحق عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ عَنْ مَنْسُوبٍ إِلَى الأَخفش أَنه اسْمٌ مُفْرَدٌ مُضْمر، يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ كَمَا يَتَغَيَّرُ آخَرُ المُضْمَرات لِاخْتِلَافِ أَعداد المُضْمَرِينَ، وأَنَّ الْكَافَ فِي إِيَّاكَ كَالَّتِي فِي ذَلِكَ فِي أَنه دلالةٌ عَلَى الْخِطَابِ فَقَطْ مَجَرَّدَةٌ مِنْ كَوْنِها عَلامةَ الضَّمِيرِ، وَلَا يُجيزُ الأَخفش فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ إِيَّاكَ وإِيّا زَيْدٍ وإِيَّايَ وإِيَّا الباطِل، قَالَ سِيبَوَيْهِ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنِ الْخَلِيلِ أَنه سَمِعَ أَعرابيّاً يَقُولُ إِذَا بلَغ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَيضاً عَنِ الْخَلِيلِ أَنه قَالَ: لَوْ أَن قَائِلًا قَالَ إِيَّاك نَفْسِك لَمْ أُعنفه لأَن هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَجْرُورَةٌ، وَحَكَى ابْنُ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِيَّاكَ بِكَمَالِهَا اسْمٌ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْيَاءُ وَالْكَافُ وَالْهَاءُ هِيَ أَسماء وإِيَّا عِمادٌ لَهَا لأَنها لَا تَقُوم بأَنفسها، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِيَّا اسْمٌ مُبْهَم يُكْنَى بِهِ عَنِ الْمَنْصُوبِ، وجُعِلَت الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ بَيَانًا عَنِ الْمَقْصُودِ لِيُعْلَم المُخاطَبُ مِنَ الْغَائِبِ، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب كَالْكَافِ في ذلك وأَ رَأَيْتَك، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ اسْمٌ مُبهم يُكْنى به عن المنصوب يَدُلُّ عَلَى أَنه لَا اشْتِقَاقَ لَهُ؛ وَقَالَ أَبو إسحق الزَّجاجُ: الكافُ فِي إِيَّاكَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِإِضَافَةِ إِيَّا إِلَيْهَا، إِلَّا أَنه ظَاهِرٌ يُضاف إِلَى سَائِرِ المُضْمَرات، وَلَوْ قُلْتَ إِيَّا زَيدٍ حدَّثت لَكَانَ قَبِيحًا لأَنه خُصَّ بالمُضْمَر، وَحَكَى مَا رَوَاهُ الْخَلِيلُ مِنْ إِيَّاهُ وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وتأَملنا هَذِهِ الأَقوال عَلَى اخْتِلَافِهَا والاعْتِلالَ لِكُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا فَلَمْ نجِد فِيهَا مَا يَصِحُّ مَعَ الْفَحْصِ وَالتَّنْقِيرِ غَيرَ قَوْلِ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش، أَما قَوْلُ الْخَلِيلِ إِنَّ إِيَّا اسْمٌ مُضْمَرٌ مُضَافٌ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَذَلِكَ أَنه إِذا ثَبَتَ أَنه مُضْمَرٌ لَمْ تَجُزْ إِضافته عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لأَن الغَرَض فِي الإِضافة إِنما هُوَ التَّعْرِيفُ وَالتَّخْصِيصُ وَالْمُضْمَرُ عَلَى نِهَايَةِ الِاخْتِصَاصِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الإِضافة، وأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ إِيَّاك بِكَمَالِهَا اسْمٌ فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ إِيَّاكَ فِي أَن فَتْحَةَ الْكَافِ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُذَكَّرِ، وَكَسْرَةَ الْكَافِ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُؤَنَّثِ، بِمَنْزِلَةِ أَنت فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْهَمْزَةُ، وَالنُّونُ وَالتَّاءُ الْمَفْتُوحَةُ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُذَكَّرِ، وَالتَّاءُ الْمَكْسُورَةُ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُؤَنَّثِ، فَكَمَا أَن مَا قَبْلَ التَّاءِ فِي أَنت هُوَ الِاسْمُ وَالتَّاءُ هُوَ الْخِطَابُ فَكَذَا إِيَّا اسْمٌ وَالْكَافُ بَعْدَهَا حَرْفُ خِطَابٍ، وأَمّا مَن قَالَ إِنَّ الْكَافَ وَالْهَاءَ وَالْيَاءَ فِي إِيَّاكَ وإِيّاه وإِيَّايَ هِيَ الأَسماء، وإِنَّ إِيَّا إِنَّمَا عُمِدَت بِهَا هَذِهِ الأَسماء لِقِلَّتِهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>