للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي قَوْلِهِ عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَماً، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً؛ أَي سَلْ عَنْهُ خَبِيراً يُخْبِرْكَ؛ وَقَالَ عَلْقَمَةُ:

فإنْ تَسْأَلوني بالنِّساء، فإِنَّني ... بَصِيرٌ بأَدْواءِ النِّساءِ طَبيبُ

أَي تَسْأَلُوني عَنِ النِّساء؛ قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؛ أَي مَا خَدَعكَ عَنْ رَبِّكَ الْكَرِيمِ والإِيمانِ بِهِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ؛ أَي خَدَعَكُم عَنِ اللَّهِ والإِيمان بِهِ وَالطَّاعَةِ لَهُ الشَّيْطانُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَرْجُو بذلِك، فسأَلتُه فَقَالَ: أَرْجُو ذَاكَ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ يُعْجِبُني بأَنَّك قَائِمٌ، وأُريدُ لأَذْهَب، مَعْنَاهُ أَريد أَذْهَبُ. الْجَوْهَرِيُّ: الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ «١»، قَالَ: وأَما الْمَكْسُورَةُ فَحَرْفُ جَرٍّ وَهِيَ لإِلصاق الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بزَيْدٍ، وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ مَعَ اسْتِعَانَةٍ، تَقُولُ: كَتبتُ بِالْقَلَمِ، وَقَدْ تَجِيءُ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*؛ وحَسْبُكَ بِزَيْدٍ، وَلَيْسَ زيدٌ بِقَائِمٍ. وَالْبَاءُ هِيَ الأَصل فِي حُروف القَسَم تَشْتَمِلُ عَلَى المُظْهَر والمُضْمَر، تَقُولُ: بِاللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا، وَتَقُولُ فِي المُضْمَر: لأَفْعَلَنَّ؛ قَالَ غُوِيَّةُ بْنُ سُلْمَى:

أَلا نادَتْ أُمامةُ باحْتمالي ... لتَحْزُنَني، فَلا يَكُ مَا أُبالي

الْجَوْهَرِيُّ: الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الشَّفَةِ، بُنِيَت عَلَى الكسرِ لاسْتِحالةِ الابْتِداء بالمَوْقُوفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بُنِيت عَلَى حَرَكَةٍ لاستِحالة الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ، وَخُصَّتْ بِالْكَسْرِ دُونَ الْفَتْحِ تَشْبِيهًا بِعَمَلِهَا وَفَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يَكُونُ اسْمًا وَحَرْفًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْبَاءُ مِنْ عَوَامِلِ الْجَرِّ وَتَخْتَصُّ بِالدُّخُولِ عَلَى الأَسماء، وَهِيَ لإِلصاق الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، تَقُولُ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ كأَنك أَلْصَقْتَ المُرور بِهِ. وكلُّ فِعْلٍ لَا يَتَعَدَّى فَلَكَ أَن تُعَدِّيه بالباءِ والأَلف وَالتَّشْدِيدِ، تَقُولُ: طارَ بِهِ، وأَطارَه، وطَيّره؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَا يَصِحُّ هَذَا الإِطلاق عَلَى العُموم، لأَنَّ مِنَ الأَفْعال مَا يُعَدَّى بالهَمْزة وَلَا يُعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ نَحْوَ عادَ الشيءُ وأَعَدْتُه، وَلَا تَقُلْ عَوَّدْته، وَمِنْهَا مَا يُعدَّى بِالتَّضْعِيفِ وَلَا يعدَّى بِالْهَمْزَةِ نَحْوَ عَرَف وعَرَّفْتُه، وَلَا يُقَالُ أَعْرَفْتُه، وَمِنْهَا مَا يُعَدَّى بِالْبَاءِ وَلَا يُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَلَا بِالتَّضْعِيفِ نَحْوَ دفَعَ زَيْدٌ عَمْراً ودَفَعْتُه بعَمرو، وَلَا يُقَالُ أَدْفَعْتُه وَلَا دَفَّعْتَه. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تُزَادُ الْبَاءُ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِمْ بحَسْبِكِ قَوْلُ السَّوْءِ؛ قَالَ الأَشعر الزَّفَيانُ وَاسْمُهُ عَمرو بْنُ حارِثَةَ يَهْجُو ابنَ عَمِّهِ رضْوانَ:

بحَسْبِكَ فِي القَوْمِ أَنْ يَعْلَمُوا ... بأَنَّكَ فِيهِمْ غَنِيٌّ مُضِرّ

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:

نحنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصحابُ الفَلَجْ، ... نَضْرِبُ بالسيفِ ونرْجُو بالفَرَجْ

أَي الفَرَجَ؛ وَرُبَّمَا وُضِعَ موضِعَ قَوْلِكَ مِنْ أَجل كَقَوْلِ لَبِيدٍ:

غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالذُحُولِ كأَنهمْ ... جِنُّ البَدِيِّ، رَواسِياً أَقْدامُها

أَي مِنْ أَجل الذُّحُول، وَقَدْ تُوضَعُ مَوْضِعَ على


(١). قوله [الْجَوْهَرِيُّ الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ] كذا بالأصل، وليست هذه العبارة له كما في عدة نسخ من صحاح الجوهري ولعلها عبارة الأَزهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>