وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
منَ اللَّاءِ لَمْ يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حِسْبةً، ... ولكِنْ ليَقْتُلْنَ البَرِيءَ المُغَفَّلا
وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
بَعْدَ اللَّتَيّا واللَّتَيّا والَّتِي، ... إِذا عَلَتْها أَنْفُسٌ تَرَدَّتِ «٢»
يُقَالُ مِنْهُ: لَقِيَ مِنْهُ اللَّتَيَّا والَّتي إِذا لَقيَ مِنْهُ الجَهْدَ والشِّدَّة، أَراد بَعْدَ عَقَبةٍ مِنْ عِقاب المَوْتِ مُنْكَرة إِذا أَشْرَفَتْ عَلَيْهَا النَّفْسُ تَرَدَّتْ أَي هَلَكَتْ، وَقَبْلُهُ:
إِلى أَمارٍ وأَمارِ مُدَّتي، ... دافَعَ عَنِّي بنَقِيرٍ مَوْتَتي
بَعْدَ اللَّتَيَّا وَاللَّتَيَّا وَالَّتِي، ... إِذا عَلَتْهَا أَنْفُسٌ تردَّتِ
فارْتاحَ رَبِّي وأَرادَ رحَمْتَي، ... ونِعْمةً أَتَمَّها فتَمَّتِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: الَّذِي تَعْريف لَذْ ولَذِي، فَلَمَّا قَصُرَت قَوَّوا اللامَ بِلَامٍ أُخرى، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَحْذِف الْيَاءَ فَيَقُولُ هَذَا اللَّذْ فَعَلَ، كَذَا بِتَسْكِينِ الذَّالِ، وأَنشد:
كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيةً فاصْطِيدا
وَلِلِاثْنَيْنِ هذانِ اللَّذانِ، وَلِلْجَمْعِ هؤُلاء الَّذِينَ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذانِ اللَّذَا، فأَما الَّذِينَ أَسكنوا الذَّالَ وَحَذَفُوا الْيَاءَ الَّتِي بَعْدَهَا فإِنهم لَمَّا أَدخلوا فِي الِاسْمِ لَامَ الْمَعْرِفَةِ طرَحُوا الزِّيَادَةَ الَّتِي بَعْدَ الذَّالِ وأُسكنت الذَّالُ، فَلَمَّا ثَنَّوا حَذَفُوا النُّونَ فأَدخلوا عَلَى الِاثْنَيْنِ لحَذْف النُّونِ مَا أَدخلوا عَلَى الْوَاحِدِ بإِسكان الذَّالِ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ، فإِن قَالَ قَائِلٌ: أَلا قَالُوا اللَّذُو فِي الْجَمْعِ بِالْوَاوِ؟ فَقُلْ: الصَّوَابُ فِي الْقِيَاسِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ اجْتَمَعَتْ عَلَى الَّذِي بِالْيَاءِ وَالْجَرُّ وَالنَّصْبُ وَالرَّفْعُ سَوَاءٌ، وأَنشد:
وإِنّ الَّذي حانَتْ بفَلْجٍ دِماؤُهُمْ ... هُمُ القَوْمُ كلُّ القَوْمِ، يَا أُمَّ خالِدِ
وَقَالَ الأَخطل:
أَبَني كُلَيْبٍ! إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذا ... قَتَلا المُلُوكَ، وفَكَّكا الأَغْلالا
وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ اللَّتا وَالَّتِي، وأَنشد:
هُمَا اللَّتا أَقْصَدَني سَهْماهُما
وَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ فِيمَا رَوَاهُ أَبو إِسحاق لَهُمَا إِنهما قَالَا: الَّذِينَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا الإِعراب، تَقُولُ فِي النَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَالْجَرِّ أَتاني الَّذِين فِي الدَّارِ ورأَيت الَّذين وَمَرَرْتُ بالَّذِين فِي الدَّارِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي الدَّارِ، قَالَا: وإِنما مُنِعا الإِعراب لأَنَّ الإِعراب إِنما يَكُونُ فِي أَواخر الأَسماء، والَّذِي والَّذِينَ مُبْهَمان لَا يَتِمَّان إِلا بصِلاتِهما فَلِذَلِكَ مُنعا الإِعرابَ، وأَصل الَّذِي لَذْ، فَاعْلَمْ، عَلَى وَزْنِ عَمْ، فإِن قَالَ قَائِلٌ: فَمَا بَالُكَ تَقُولُ أَتاني اللَّذانِ فِي الدَّارِ ورأَيت اللَّذَيْن فِي الدَّارِ فتُعْرِبُ مَا لَا يُعْرَبُ فِي الْوَاحِدِ فِي تَثْنِيَتِه نَحْوُ هَذانِ وهَذَيْنِ وأَنت لَا تُعْرِب هَذَا وَلَا هَؤلاء؟ فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ: أَن جَمِيعَ مَا لَا يُعْرَب فِي الْوَاحِدِ مُشَبَّه بِالْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنًى، فإِن ثَنَّيْته فَقَدْ بَطَلَ شَبَهُ الْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنًى لأَنَّ حُرُوفَ الْمَعَانِي لَا تُثَنَّى، فإِن قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ مَنَعْتَهُ الإِعراب فِي الْجَمْعِ؟ قُلْتُ: لأَنَّ الْجَمْعَ لَيْسَ عَلَى حَدِّ التَّثْنِيَةِ كَالْوَاحِدِ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ فِي جمع هذا هَؤُلاءِ
(٢). قوله" وَقَالَ الْعَجَّاجُ بَعْدَ اللَّتَيَّا إلخ" تقدم في روح نسبة ذلك إلى رؤبة لا إلى العجاج.