للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي بِئْرٍ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَر

أَراد: حُؤُورٍ أَي رُجُوع، الْمَعْنَى أَنه وَقَعَ فِي بئرِ هَلَكةٍ لَا رُجُوعَ فِيهَا وَمَا شَعَرَ بِذَلِكَ كَقَوْلِكَ وَقع فِي هَلَكَةٍ وَمَا شَعَرَ بِذَلِكَ، قَالَ: وَيَجِيءُ لَا بِمَعْنَى غَيْرٍ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ

؛ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، الْمَعْنَى مَا لَكَمَ غيرَ مُتناصِرين؛ قَالَهُ الزَّجَّاجُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَنشد الأَصمعي لِسَاعِدَةَ الْهُذَلِيِّ:

أَفَعَنْك لَا بَرْقٌ كأَنَّ وَمِيضَه ... غابٌ تَسَنَّمه ضِرامٌ مُثْقَبُ

قَالَ: يُرِيدُ أَمِنك بَرْقٌ، وَلَا صِلَةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ إِن لَا لَا تَكُونُ صِلَةً إِلا مَعَ حَرْفِ نَفْيٍ تقدَّمه؛ وأَنشد الْبَاهِلِيُّ لِلشَّمَّاخِ:

إِذا مَا أَدْلَجَتْ وضَعَتْ يَداها، ... لَها الإِدْلاج لَيْلَة لَا هُجُوعِ

أَي عَمِلَتْ يَداها عَمَلَ الليلةِ الَّتِي لَا يُهْجَعُ فِيهَا، يَعْنِي النَّاقَةَ ونَفَى بِلَا الهُجُوعَ وَلَمْ يُعْمِلْ، وَتُرِكَ هُجُوع مَجْرُورًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِضافة؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:

لَقَدْ عرَفْتُ حِينَ لَا اعْتِرافِ

نَفى بِلَا وترَكَه مَجْرُورًا؛ وَمِثْلُهُ:

أَمْسَى بِبَلْدَةِ لَا عَمٍّ وَلَا خَالٍ

وَقَالَ الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

؛ إِنما جَازَ أَن تَقَعَ لَا فِي قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ

لأَن مَعْنَى غَيْرِ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى النَّفْي، وَالنَّحْوِيُّونَ يُجيزون أَنتَ زَيْدًا غَيْرُ ضارِبٍ لأَنه فِي مَعْنَى قَوْلِكَ أَنتَ زَيْدًا لَا ضارِبٌ، وَلَا يُجِيزُونَ أَنت زَيْدًا مِثْلُ ضارِب لأَن زَيْدًا مِنْ صِلَةِ ضارِبٍ فَلَا تتقدَّم عَلَيْهِ، قَالَ: فَجَاءَتْ لَا تُشَدِّد مِنْ هَذَا النَّفْيِ الَّذِي تَضْمَنُهُ غيرُ لأَنها تُقارِبُ الدَّاخِلَةَ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ جاءَني زَيْدٌ وَعَمْرٌو، فَيَقُولُ السَّامِعُ مَا جاءَك زَيْدٌ وعَمرو؟ فَجَائِزٌ أَن يَكُونَ جاءَه أَحدُهما، فإِذا قَالَ مَا جاءَني زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو فَقَدْ تَبَيَّن أَنه لَمْ يأْت وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ

؛ يُقَارِبُ مَا ذَكَرْنَاهُ وإِن لَمْ يَكُنْه. غَيْرُهُ: لَا حرفُ جَحْد وأَصل أَلِفِهَا يَاءٌ، عِنْدَ قُطْرُبٍ، حِكَايَةً عَنْ بَعْضِهِمْ أَنه قَالَ لَا أَفعل ذَلِكَ فأَمال لَا. الْجَوْهَرِيُّ: لَا حَرْفُ نَفْيٍ لِقَوْلِكَ يَفْعَل وَلَمْ يَقَعِ الْفِعْلُ، إِذا قَالَ هُوَ يَفْعَلُ غَداً قُلْتُ لَا يَفْعَلُ غَدًا، وَقَدْ يَكُونُ ضِدًّا لبَلَى ونَعَمْ، وَقَدْ يَكُونُ للنَّهْي كَقَوْلِكَ لَا تَقُمْ وَلَا يَقُمْ زَيْدٌ، يُنهى بِهِ كلُّ مَنْهِيٍّ مِنْ غَائِبٍ وحاضِر، وَقَدْ يَكُونُ لَغْواً؛ قَالَ الْعَجَّاجِ:

فِي بِئرِ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ؛ أَي مَا مَنَعَكَ أَن تسْجُد، وَقَدْ يَكُونُ حرفَ عَطْفٍ لإِخراج الثَّانِي مِمَّا دَخَلَ فِيهِ الأَول كَقَوْلِكَ رأَيت زَيْدًا لَا عَمراً، فإِن أَدْخَلْتَ عَلَيْهَا الْوَاوَ خَرَجَتْ مِنْ أَن تَكُونَ حَرْفَ عطفٍ كَقَوْلِكَ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو، لأَن حُروف النَّسَقِ لَا يَدخل بعضُها عَلَى بَعْضٍ، فَتَكُونُ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَلَا إِنما هِيَ لتأْكيد النَّفْيِ؛ وَقَدْ تُزاد فِيهَا التَّاءُ فَيُقَالُ لاتَ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:

طَلَبُوا صُلْحَنا ولاتَ أَوانٍ

وإِذا اسْتَقْبَلَهَا الأَلف وَاللَّامُ ذَهَبَتْ أَلفه كَمَا قَالَ:

أَبَى جُودُه لَا البُخْلَ، واستَعْجلتْ نَعَمْ ... بهِ مِنْ فَتًى، لَا يَمْنَعُ الجُوعَ قاتِلَهْ

قَالَ: وَذَكَرَ يُونُسُ أَن أَبا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ كَانَ يَجُرُّ البُخل وَيَجْعَلُ لَا مُضافة إِليه لأَنَّ لَا قَدْ تَكُونُ للجُود

<<  <  ج: ص:  >  >>