للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الرَّاجِزُ:

قدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ، ... مِنْ هَاهُنا ومِنْ هُنَهْ،

إِنْ لَمْ أُرَوِّها فَمَهْ

قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَحْتَمِلُ مَهْ هُنَا وَجْهَيْنِ أَحدهما أَن تَكُونَ فَمَهْ زَجْراً مِنْهُ أَي فاكْفُفْ عَنِّي ولستَ أَهلًا للعِتاب، أَو فَمَهْ يَا إنسانُ يُخاطب نفسَه ويَزْجُرها، وتكونُ للتعجُّب، وَتَكُونُ زَائِدَةً كافَّةً وَغَيْرَ كَافَّةٍ، وَالْكَافَّةُ قَوْلُهُمْ إِنما زيدٌ مُنْطَلِقٌ، وَغَيْرُ الكافَّة إِنما زَيْداً مُنطلق، تُرِيدُ إِنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ*

، وعَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ

، ومِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا

؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَا مُؤَنَّثَةٌ، وَإِنْ ذُكِّرَت جَازَ؛ فأَما قَوْلُ أَبي النَّجْمِ:

اللهُ نَجَّاكَ بِكَفَّيْ مَسْلَمَتْ، ... مِنْ بَعْدِ ما وبَعْدِ ما وبَعْدِ مَتْ

صارَتْ نُفُوسُ القَومِ عِنْد الغَلْصَمَتْ، ... وكادتِ الحُرَّةُ أَن تُدْعَى أَمَتْ

فإِنه أَراد وبَعْدِ ما فأَبدلَ الأَلف هَاءً كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:

مِنْ هَاهُنا ومِنْ هُنَهْ

فَلَمَّا صَارَتْ في التقدير وبعد مَهْ أَشبهت الْهَاءُ هَاهُنَا هَاءَ التأْنيث فِي نَحْوِ مَسْلمةَ وطَلْحة، وأَصلُ تِلْكَ إِنما هُوَ التَّاءُ، فشبَّه الْهَاءَ في وبَعْدِ مَهْ بَهَاءِ التأَنيث فوَقَفَ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ كَمَا يَقِفُ عَلَى مَا أَصله التَّاءُ بِالتَّاءِ فِي مَسْلَمَتْ والغَلْصَمَتْ، فَهَذَا قِياسُه كَمَا قَالَ أَبو وَجْزَة:

العاطِفُونَتَ، حِينَ مَا مِنْ عاطِفٍ، ... والمُفْضِلونَ يَداً، إِذَا مَا أَنْعَمُوا «١»

أَراد: العاطِفُونَهْ، ثُمَّ شبَّه هَاءَ الْوَقْفِ بِهَاءِ التأْنيث الَّتِي أَصلها التَّاءُ فَوَقَفَ بِالتَّاءِ كَمَا يَقِفُ عَلَى هَاءِ التأْنيث بِالتَّاءِ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ: مَوَّيْتُ مَاءً حَسَنةً، بالمدِّ، لِمَكَانِ الْفَتْحَةِ مِن مَا، وَكَذَلِكَ لَا أَي عَمِلْتها، وَزَادَ الأَلف فِي مَا لأَنه قَدْ جَعَلَهَا اسْمًا، وَالِاسْمُ لَا يَكُونُ عَلَى حَرْفَيْنِ وَضْعاً، وَاخْتَارَ الأَلف مِنْ حُرُوفِ المدِّ واللِّين لِمَكَانِ الْفَتْحَةِ، قَالَ: وَإِذَا نُسِبَتْ إِلى مَا قُلْتَ مَوَوِيٌّ. وَقَصِيدَةٌ ماويَّةٌ ومَوَوِيَّةٌ: قَافِيَتُهَا مَا. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنِ الرُّؤاسي: هَذِهِ قَصِيدَةٌ مائِيةٌ وماوِيَّةٌ ولائِيَّةٌ ولاوِيَّةٌ ويائِيَّةٌ وياوِيَّةٌ، قَالَ: وَهَذَا أَقْيسُ. الْجَوْهَرِيُّ: مَا حَرْفٌ يَتَصَرَّف عَلَى تِسْعَةِ أَوجه: الاستفهامُ نَحْوَ مَا عِنْدَك، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَا يُسأَلُ بِهَا عَمَّا لَا يَعْقِل وَعَنْ صِفَاتِ مَنْ يَعْقِل، يَقُولُ: مَا عَبْدُ اللهِ؟ فَتَقُولُ: أَحْمَقُ أَو عاقلٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والخَبَر نَحْوَ رَأَيْتُ مَا عِنْدَك وَهُوَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْجَزَاءُ نَحْوَ مَا يَفْعَلْ أَفْعَلْ، وَتَكُونُ تَعَجُّبًا نَحْوَ مَا أَحْسَنَ زَيْدًا، وَتَكُونُ مَعَ الفِعل فِي تأْويل المَصدر نَحْوَ بَلَغَني مَا صَنَعْتَ أَي صَنِيعُك، وَتَكُونُ نَكِرَةً يَلْزَمُها النعتُ نَحْوَ مَرَرْتُ بِمَا مُعْجِبٍ لَكَ أَي بشيءٍ مُعْجِبٍ لَكَ، وَتَكُونُ زَائِدَةً كَافَّةً عَنِ الْعَمَلِ نَحْوَ إِنَّمَا زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، وَغَيْرَ كافَّة نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ

؛ وَتَكُونُ نَفْيًا نَحْوَ مَا خَرَجَ زَيْدٌ وَمَا زَيْدٌ خارِجاً، فَإِنْ جعلْتَها حرفَ نفيٍ لَمْ تُعْمِلْها فِي لُغَةِ أَهل نَجدٍ لأَنها دَوَّارةٌ، وَهُوَ القِياس، وأَعْمَلْتَها فِي لغةِ أَهل الحِجاز تَشْبِيهًا بِلَيْسَ، تَقُولُ: مَا زيدٌ خارِجاً وَمَا هَذَا بَشراً، وَتَجِيءُ مَحْذُوفَةً مِنْهَا الأَلفُ إِذا ضَمَمتَ إِليها حَرْفًا نَحْوَ لِمَ وبِمَ وعَمَّ يَتَساءلُون؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ: وَتَجِيءُ مَا الاستفهاميةُ مَحذُوفةً إِذا ضَمَمْتَ إِليها حَرْفًا جارًّا. التهذيب: إِنما


(١). قوله [والمفضلون] في مادة ع ط ف: والمنعمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>