للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى ذَلِكَ أَن القافَ وَالدَّالَ وَالصَّادَ موقوفةُ الأَواخِر، فَلَوْلَا أَنها عَلَى الْوَقْفِ لحُرِّكَتْ أَواخِرُهُنَّ، وَنَظِيرُ الْوَقْفِ هُنَا الحذفُ فِي الْهَاءِ وَالْحَاءِ وأَخواتها، وإِذا أَردت أَن تَلْفِظَ بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ قَصَرْتَ وأَسْكَنْتَ، لأَنك لَسْتَ تُرِيدُ أَن تَجْعَلَهَا أَسماء، وَلَكِنَّكَ أَردت أَن تُقَطِّع حُروف الِاسْمِ فجاءَت كأَنها أَصوات تصَوِّتُ بِهَا، إِلا أَنك تَقِفُ عِنْدَهَا بِمَنْزِلَةِ عِهْ، قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَفْظَةُ هُوَ، قَالَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ أَصله أَن يَكُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحرف مِثْلَ أَنت فَيُقَالُ هُوَّ فَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُخَفِّفه فَيَقُولُ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَنِي أَسَد وَتَمِيمٍ وقيسٍ هُو فَعَلَ ذَلِكَ، بِإِسْكَانِ الْوَاوِ؛ وأَنشد لعَبيد:

ورَكْضُكَ لوْلا هُو لَقِيتَ الَّذِي لَقُوا، ... فأَصْبَحْتَ قَدْ جاوَزْتَ قَوْماً أَعادِيا

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: بَعْضُهُمْ يُلقي الْوَاوَ مِنْ هُو إِذا كَانَ قَبْلَهَا أَلف سَاكِنَةٌ فَيَقُولُ حتَّاهُ فَعَلَ ذَلِكَ وإِنَّماهُ فَعَلَ ذَلِكَ؛ قَالَ: وأَنشد أَبو خَالِدٍ الأَسدي:

إِذاهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ لَمْ يَنْبِس

قَالَ: وأَنشدني خَشَّافٌ:

إِذاهُ سامَ الخَسْفَ آلَى بقَسَمْ ... باللهِ لَا يَأْخُذُ إِلَّا مَا احْتَكَمْ «١»

قَالَ: وأَنشدنا أَبو مُجالِدٍ للعُجَير السَّلولي:

فبَيْناهُ يَشْري رَحْلَه قَالَ قائلٌ: ... لِمَنْ جَمَلٌ رَثُّ المَتاعِ نَجِيبُ؟

قَالَ ابْنُ السِّيرَافِيِّ: الَّذِي وُجِدَ فِي شِعْرِهِ رِخْوُ المِلاطِ طَوِيلُ؛ وَقَبْلَهُ:

فباتتْ هُمُومُ الصَّدْرِ شَتَّى يَعُدْنَه، ... كَمَا عِيدَ شلْوٌ بالعَراءِ قَتِيلُ

وَبَعْدَهُ:

مُحَلًّى بأَطْواقٍ عِتاقٍ كأَنَّها ... بَقايا لُجَيْنٍ، جَرْسُهنَّ صَلِيلُ

وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: إِنما ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فِي الشِّعْرِ وَلِلتَّشْبِيهِ لِلضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ بِالضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ فِي عَصاه وقَناه، وَلَمْ يُقَيِّدِ الْجَوْهَرِيُّ حذفَ الْوَاوِ مِنْ هُوَ بِقَوْلِهِ إِذا كَانَ قَبْلَهَا أَلف سَاكِنَةٌ بَلْ قَالَ وَرُبَّمَا حُذِفت مِنْ هُوَ الْوَاوُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وأَورد قَوْلَ الشَّاعِرِ: فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ؛ قَالَ: وَقَالَ آخَرُ:

إِنَّه لَا يُبْرِئُ داءَ الهُدَبِدْ ... مِثْلُ القَلايا مِنْ سَنامٍ وكَبِدْ

وَكَذَلِكَ الْيَاءُ مِنْ هِيَ؛ وأَنشد:

دارٌ لِسُعْدَى إِذْ هِ مِنْ هَواكا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فإِن قُلْتَ فَقَدْ قَالَ الْآخَرُ:

أَعِنِّي عَلَى بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِيضَهُو

فَوَقَفَ بِالْوَاوِ وَلَيْسَتِ اللَّفْظَةُ قَافِيَةً، وَهَذِهِ المَدَّة مُسْتَهْلَكَةٌ فِي حَالِ الْوَقْفِ؟ قِيلَ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ وإِن لَمْ تَكُنْ قَافِيَةً فَيَكُونُ البيتُ بِهَا مُقَفًّى ومُصَرَّعاً، فإِن الْعَرَبَ قَدْ تَقِفُ عَلَى العَروض نَحْوًا مِنْ وُقوفِها عَلَى الضَّرْب، وَذَلِكَ لوقُوفِ الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ عَنِ المَوْزُون؛ أَلا تَرَى إِلى قَوْلِهِ أَيضاً:

فأَضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفةٍ

فَوَقَفَ بِالتَّنْوِينِ خِلَافًا للوُقوف فِي غَيْرِ الشِّعْرِ. فإِن قُلْتَ: فإِنَّ أَقْصَى حالِ كُتَيْفةٍ إِذ لَيْسَ قافيةً أَن يُجْرى


(١). قوله [سام الخسف] كذا في الأَصل، والذي في المحكم: سيم، بالبناء لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>