للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعْنِي لَيْسَ الأَمر حَيْثُمَا ذَهَبْتَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي:

قدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ، ... مِنْ هَاهُنا ومِنْ هُنَهْ

إِنما أَراد: وَمِنْ هُنا فأَبدل الأَلف هَاءً، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وها هُنَهْ لأَن قَبْلَهُ أَمْكِنَهْ، فَمِنَ المُحال أَن تَكُونَ إِحْدَى الْقَافِيَتَيْنِ مُؤَسَّسَةً والأُخرى غَيْرَ مؤسسة. وهَاهِنَّا أَيضاً تَقَوَّلَهُ قَيْسٌ وَتَمِيمٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا أَرادت البُعْد: هَنَّا وهَاهَنَّا وهَنَّاكَ وهَاهَنَّاك، وَإِذَا أَرادت الْقُرْبَ قَالَتْ: هُنا وهَاهُنا. وتقول للحبيب: هَاهُنا وهُنا أَي تَقَرَّبْ وادْنُ، وفي ضدّه للبَغِيض: هَاهَنَّا وهَنَّا أَي تَنَحَّ بَعِيداً؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ يَهْجُو أُمه:

فهَاهَنَّا اقْعُدِي مِني بَعِيداً، ... أَراحَ اللهُ مِنْكِ العالَمِينا «١»

وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ فَلَاةً بَعِيدةَ الأَطْراف بعيدةَ الأَرجاء كَثِيرَةَ الخَيرِ:

هَنَّا وهَنَّا ومِنْ هَنَّا لَهُنَّ بِهَا، ... ذاتَ الشَّمائلِ والأَيْمانِ، هَيْنُومُ

الْفَرَّاءُ: مِنْ أَمثالهم:

هَنَّا وهَنَّا عَنْ جِمالِ وَعْوَعَهْ «٢»

كَمَا تَقُولُ: كلُّ شَيْءٍ وَلَا وَجَع الرأْسِ، وكلُّ شَيْءٍ وَلَا سَيْف فَراشةَ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ إِذَا سَلِمْتُ وسَلِمَ فُلَانٌ فَلَمْ أَكْتَرِثْ لغَيرِه؛ وَقَالَ شَمِرٌ: أَنشدنا ابْنُ الأَعرابي لِلْعَجَّاجِ:

وكانتِ الحَياةُ حِينَ حَيَّتِ، ... وذِكْرُها هَنَّتْ فلاتَ هَنَّتِ

أَراد هَنَّا وهَنَّهْ فَصَيَّرَهُ هَاءً لِلْوَقْفِ. فلاتَ هَنَّتْ أَي لَيْسَ ذَا موضعَ ذَلِكَ وَلَا حِينَه، فَقَالَ هَنَّت بِالتَّاءِ لَمَّا أَجرى الْقَافِيَةَ لأَن الْهَاءَ تَصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:

لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيرةَ أَمَّنْ ... جَاءَ مِنْها بطائفِ الأَهوالِ «٣»

قَالَ الأَزهري: وَقَدْ مَضَى مِنْ تَفْسِيرِ لاتَ هَنَّا فِي الْمُعْتَلِّ مَا ذُكِرَ هُناك لأَن الأَقرب عِنْدِي أَنه مِنَ المُعْتَلَّاتِ؛ وتقَدّم فِيهِ:

حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ، ... وأَنَّى لكِ مَقْروعُ

رَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ:

وكانتِ الحَياةُ حِينَ حُبَّتِ

يَقُولُ: وَكَانَتِ الحياةُ حِينَ تُحَبُّ. وذِكْرُها هَنَّتْ، يَقُولُ: وذِكرُ الحَياةِ هُناكَ وَلَا هُنَاكَ أَي لِليأْس مِنَ الْحَيَاةِ؛ قَالَ وَمَدَحَ رَجُلًا بِالْعَطَاءِ:

هَنَّا وهَنَّا وَعَلَى المَسْجوحِ

أَي يُعْطِي عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَعَلَى المَسْجُوح أَي عَلَى القَصْد؛ أَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

حَنَّتْ نَوارُ ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ، ... وبَدا الَّذِي كانتْ نَوارُ أَجَنَّتِ

أَي لَيْسَ هَذَا موضعَ حَنِينٍ وَلَا فِي موضِع الحَنِينِ حَنَّتْ؛ وأَنشد لبَعضِ الرُّجَّازِ


(١). في ديوان الحطيئة: تَنَحّي، فاجلسي مني بعيداً، إلخ.
(٢). قوله [هنا وهنا إلخ] ضبط في التهذيب بالفتح والتشديد في الكلمات الثلاث، وقال في شرح الأشموني: يروى الأول بالفتح والثاني بالكسر والثالث بالضم، وقال الصبان عن الروداني: يروى الفتح في الثلاث.
(٣). قوله [جبيرة] ضبط في الأصل بما ترى وضبط في نسخة التهذيب بفتح فكسر، وبكل سمت العرب

<<  <  ج: ص:  >  >>