للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ أَمر بِالْمَوْتِ؛ والمُراد بِهِ التَّفاؤُل بالنَّصر بَعْدَ الأَمر بالإِماتة، مَعَ حُصُولِ الغَرضِ للشِّعار، فإِنهم جَعَلُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَامَةً يَتعارفُون بِهَا لأَجل ظُلْمَةُ اللَّيْلِ؛ وَفِي حَدِيثِ الثُّؤْم والبَصلِ:

مَنْ أَكلَهما فلْيُمِتْهما طَبْخاً

أَي فلْيُبالغ فِي طَبْخِهِمَا لِتَذْهَبَ حِدَّتُهما وَرَائِحَتُهُمَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

؛ قَالَ أَبو إِسحاق: إِن قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يَنْهَاهُمْ عَنِ الْمَوْتِ، وَهُمْ إِنما يُماتون؟ قِيلَ: إِنما وَقَعَ هَذَا عَلَى سِعَةِ الْكَلَامِ، وَمَا تُكْثِرُ العربُ استعمالَه؛ قَالَ: وَالْمَعْنَى الزَمُوا الإِسلام، فإِذا أَدْرَكَكم الموتُ صَادَفَكُمْ مُسْلِمِينَ. والمِيتَةُ: ضَرْبٌ مِنَ المَوْت. غَيْرُهُ: والمِيتةُ الْحَالُ مِنْ أَحوال المَوْت، كالجِلْسة والرِّكْبة؛ يُقَالُ: ماتَ فلانٌ مِيتةً حَسَنةً؛ وَفِي حَدِيثِ الْفِتَنِ:

فَقَدْ ماتَ مِيتةً جَاهِلِيَّةً

، هِيَ، بِالْكَسْرِ، حالةُ الموتِ أَي كَمَا يموتُ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الضَّلَالِ والفُرقة، وجمعُها مِيَتٌ. أَبو عَمْرٍو: ماتَ الرجلُ وهَمَدَ وهَوَّم إِذا نامَ. والمَيْتةُ: مَا لَمْ تُدْرَكْ تَذْكيته. والمَوْتُ: السُّكونُ. وكلُّ مَا سَكنَ، فَقَدْ ماتَ، وَهُوَ عَلَى المَثَل. وماتَتِ النارُ مَوتاً: بَرَدَ رَمادُها، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْجَمْرِ شَيْءٌ. وماتَ الحَرُّ والبَرْدُ: باخَ. وماتَت الريحُ: رَكَدَتْ وسَكَنَتْ؛ قَالَ:

إِني لأَرْجُو أَن تَموتَ الريحُ، ... فأَسْكُنَ اليومَ، وأَسْتَريحُ

وَيُرْوَى: فأَقْعُدَ الْيَوْمَ. وناقَضُوا بِهَا فَقَالُوا: حَيِيَتْ. وماتَت الخَمْرُ: سَكَنَ غَلَيانُها؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وماتَ الماءُ بِهَذَا الْمَكَانِ إِذا نَشَّفَتْه الأَرضُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَثَلِ. وَفِي حَدِيثِ دُعاء الانتباهِ:

الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحيانا بَعْدَمَا أَماتنا، وإِليه النُّشُور.

سُمِّيَ النومُ مَوْتاً لأَنه يَزولُ مَعَهُ العَقْلُ والحركةُ، تَمْثِيلًا وتَشْبيهاً، لَا تَحْقِيقًا. وَقِيلَ: المَوتُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُطْلَقُ عَلَى السُّكون؛ يُقَالُ: مَاتَتِ الريحُ أَي سَكَنَتْ. قَالَ: والمَوْتُ يَقَعُ عَلَى أَنواع بِحَسَبِ أَنواع الْحَيَاةِ: فَمِنْهَا مَا هُوَ بإِزاء القوَّة النَّامِيَةِ الموجودةِ فِي الحَيوانِ والنبات، كقوله تعالى: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها*

؛ وَمِنْهَا زوالُ القُوَّة الحِسِّيَّة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا

؛ وَمِنْهَا زوالُ القُوَّة الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ الْجَهَالَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ

، وإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى *

؛ وَمِنْهَا الحُزْنُ وَالْخَوْفُ المُكَدِّر لِلْحَيَاةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ

؛ وَمِنْهَا المَنام، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها

؛ وَقَدْ قيل: المَنام الموتُ الخفيفُ، والموتُ: النوم الثقيل؛ وقد يُستعار الموتُ للأَحوال الشَّاقَّةِ: كالفَقْر والذُّلِّ والسُّؤَالِ والهَرَم وَالْمَعْصِيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

أَوّلُ مَنْ ماتَ إِبليس لأَنه أَوّل مَنْ عَصَى.

وَفِي حَدِيثِ

مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قِيلَ لَهُ: إِن هَامَانَ قَدْ ماتَ، فلَقِيَه فسأَل رَبَّه، فَقَالَ لَهُ: أَما تَعْلَمُ أَن مَنْ أَفْقَرْتُه فَقَدْ أَمَتُّه؟

وَقَوْلُ

عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْحَدِيثِ: اللَّبَنُ لَا يموتُ

؛ أَراد أَن الصَّبِيَّ إِذا رَضَع امرأَةً مَيِّتةً، حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ وَلَدِهَا وَقَرَابَتِهَا مَا يَحْرُم عَلَيْهِ مِنْهُمْ، لَوْ كَانَتْ حَيَّةً وَقَدْ رَضِعَها؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِذا فُصِلَ اللبنُ مِنَ الثَّدْي، وأُسْقِيه الصبيُّ، فإِنه يَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ، وَلَا يَبْطُل عملُه بِمُفَارَقَةِ الثَّدْي، فإِنَّ كلَّ مَا انْفَصل مِنَ الحَيّ مَيِّتٌ، إِلا اللبنَ والشَّعَر والصُّوفَ، لِضَرُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَحْرِ:

الحِلُّ مَيْتَتُه

، هُوَ بِالْفَتْحِ، اسْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>