لأَنه رأَى المَراعيَ قَدْ يَبِسَتْ، فَمَا ظَلَّ هَاهُنَا لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ، إِنما هُوَ كَلَامٌ مَجْحُودٌ، فَحَقَّقَهُ بإِلَّا. والشَّعْثُ والشَّعَثُ: انتشارُ الأَمرِ وخَلَلُه؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاريُّ:
لَمَّ الإِلهُ بِهِ شَعْثاً، ورَمَّ بِهِ ... أُمُورَ أُمَّتِه، والأَمرُ مُنْتَشِرُ
وَفِي الدُّعاء:
لَمَّ اللهُ شَعْثَه
أَي جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ شَعَثُ الرأْسِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
أَسأَلُكَ رَحْمَةً تَلُمُّ بِهَا شَعَثي
أَي تَجْمَعُ بِهَا مَا تَفَرَّقَ مِنْ أَمري؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
ولَسْتَ بمُسْتَبْقٍ أَخاً، ولا تَلُمُّه ... عَلَى شَعَثٍ، أَيُّ الرجالِ المُهَذَّبُ؟
قَوْلُهُ لَا تلمُّه عَلَى شَعَثٍ أَي لَا تَحْتَمِلُهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ زَللٍ ودَرْءٍ، فتَلُمُّه وتُصْلحه، وتَجْمَعُ مَا تَشَعَّثَ مِنْ أَمره. وَفِي حَدِيثِ
عَطَاءٍ: أَنه كَانَ يُجِيز أَن يُشَعَّثَ سَنَا الحَرَم، مَا لَمْ يُقْلَعْ مِنْ أَصله
، أَي يُؤْخَذَ مِنْ فُرُوعِهِ المُتَفَرِّقة مَا يَصِيرُ بِهِ أَشْعَثَ، وَلَا يستأْصله. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَّا بَلَغَهُ هِجاءُ الأَعْشَى عَلْقمةَ بنَ عُلاثة العامِريَّ نَهى أَصحابَه أَن يَرْوُوا هجاءَه، وَقَالَ: إِن أَبا سُفْيَانَ شَعَّثَ مِنِّي عِنْدَ قَيْصَرَ، فرَدَّ عَلَيْهِ علقمةُ وكَذَّبَ أَبا سُفْيَانَ.
يُقَالُ: شَعَّثْتُ مِنْ فُلَانٍ إِذا غَضَضْتَ مِنْهُ وتَنَقَّصْتَه، مِن الشَّعَث، وَهُوَ انْتشارُ الأَمر؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُثْمَانَ: حِينَ شَعَّثَ الناسُ فِي الطَّعْن عَلَيْهِ
أَي أَخَذُوا فِي ذَمّه، والقَدْح فِيهِ بتَشْعِيثِ عِرْضه. وتشَعَّثَ الشيءُ: تَفَرَّقَ. وتَشَعُّثُ رأْسِ المِسْواك والوَتِدِ: تَفَرُّقُ أَجزائِه، وَهُوَ مِنه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنه قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، لَمَّا فَرَّعَ أَمْرَ الجَدِّ مَعَ الإِخوة فِي الْمِيرَاثِ: شَعِّثْ مَا كنتَ مُشَعِّثاً
أَي فَرِّقْ مَا كنتَ مُفَرِّقاً. وَيُقَالُ: تَشَعَّثه الدَّهْرُ إِذا أَخذه. والأَشْعَثُ: الوَتِدُ، صِفَةٌ غالبةٌ غَلَبَةَ الِاسْمِ، وسُمّيَ بِهِ لشَعَثِ رأْسه؛ قَالَ:
وأَشْعَثَ فِي الدارِ، ذِي لِمَّةٍ، ... يُطيلُ الحُفُوفَ، وَلَا يَقْمَلُ
وشَعِثْتُ مِنَ الطَّعام: أَكَلْتُ قَلِيلًا. والتَّشْعيثُ: التَّفْرِيقُ والتمييزُ، كانْشِعاب الأَنهار والأَغصان؛ قَالَ الأَخطل:
تَذَرَّيْتَ الذَّوائبَ مِنْ قُرَيْشٍ، ... وإِنْ شُعِثُوا، تَفَرَّعْتَ الشِّعابا
قَالَ: شُعِثُوا فُرِّقُوا ومُيِّزُوا. والتَّشْعيثُ فِي عَروضِ الخَفيفِ: ذَهابُ عَيْنِ فَاعِلَاتُنْ، فَيَبْقَى فَالَاتُنْ، فَيُنْقَلُ فِي التَّقْطِيعِ إِلى مَفْعُولُنْ، شبهوا حذف العين هاهنا بِالْخَرْمِ، لأَنها أَوَّلُ وَتِدٍ؛ وَقِيلَ: إِن اللَّامَ هِيَ السَّاقِطَةُ، لأَنها أَقرب إِلى الْآخَرِ، وَذَلِكَ أَن الْحَذْفَ إِنما هُوَ فِي الأَواخر، وَفِيمَا قَرُبَ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو إِسحاق: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَائِزٌ حَسَنٌ، إِلّا أَن الأَقيس عَلَى مَا بَلَوْنا فِي الأَوتاد مِنَ الخَرْم، أَن يَكُونَ عينُ فَاعِلَاتُنْ هِيَ الْمَحْذُوفَةُ، وقياسُ حَذْفِ اللَّامِ أَضعفُ، لأَن الأَوتاد إِنما تُحْذَفُ مِن أَوائلها أَو مِن أَواخرها؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَكثر الْحَذْفِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، إِنما هُوَ مِنَ الأَوائل، أَو مِنَ الأَواخر، وأَما الأَوساط، فإِن ذَلِكَ قَلِيلٌ فِيهَا؛ فإِن قَالَ قَائِلٌ: فَمَا تُنْكِرُ مِنْ أَن تَكُونَ الأَلف الثَّانِيَةُ مِنْ فَاعِلَاتُنْ هِيَ الْمَحْذُوفَةَ، حتى يبقى فاعلَتُن ثم تُسَكِّنَ اللَّامُ حَتَّى يَبْقَى فاعلْتن، ثُمَّ تَنْقُلَهُ فِي التَّقْطِيعِ إِلى مَفْعُولُنْ، فَصَارَ مِثْلَ فَعِلُنْ فِي الْبَسِيطِ الَّذِي كَانَ أَصله فَاعِلُنْ؟ قِيلَ لَهُ: هَذَا لَا يَكُونُ