وقال ابن عبد السلام: تخريج اللخمي ضعيف؛ لأن ما أخرج زبده لا يخرج منه زبد فلا مزابنة فيه. قال فإن قلت: سوى في المدَوَّنة بين ما أخرج زبده، وما لم يخرج زبده، وكل من المتساويين يصح عليه ما يصح على الآخر، فلما منع السمن بما لم يخرج زبده، وأجازه بما أخرج زبده دل على أنه ليس ربويًا.
قُلتُ: قد أخذت في هذا السؤال كون هذين اللبنين يطلب فيهما المساواة في المعاوضة، وهو معنى كونهما ربويين، فكيف حكم أن أحدهما غير ربوي من كونهما ربويين، هذا تناقض انتهى كلامه. وحاصله أنه فهم أن تخريج اللخمي آيل إلى أخذ كونه غير ربوي من كونه ربويًا بما ذكره من سؤال وجواب، وليس الأمر كما زعم، وبيانه بتقرير تخريج اللخمي على القواعد القياسية، وهو أنه ادعى أن ما أخرج زبده غير ربوي؛ لأنه لو كان ربويًا لما جاز بيعه بالسمن، واللازم باطل لنص المدَوَّنة، فالملزوم مثله فيثبت نقيضه وهو المدعى بيان الملازمة أن لو كان ربويًا لكان مماثلًا لما لم يخرج زبده والملازمة واضحة بالاتفاق المذهبي قطعًا، وكلما كان مماثلًا لما لم يخرج زبده لم يجب بيعه بالسمن؛ لأن ما لم يخرج زبده لا يجوز بالسمن اتفاقُا، ونسبة أحد المتماثلين الربويين لغيرهما كنسبة الآخر إليه اتفاقًا، كما أن نسبة القمح لشيء كنسبة الشعير إليه فثبت صدق قولنا لو كان ما أخرج زبده ربويًا كان مماثلًا، لما لم يخرج زبده، وكلما كان مماثلًا له لم يجز بيعه بالسمن، واللازم باطل بنص المدَوَّنة فالملزوم باطل، وهو كون ما أخرج زبده ربويًا فيثبت نقيضه، وهو كونه غير ربوي وهو المدعى، فقول ابن عبد السلام أخذ كونه غير ربوي من كونه ربويًا، وهو تناقض يرد بأنه إن أراد أنه أخذه من كونه ربويًا في الواقع فهذا ممنوع، ولم يقله اللخمي بحال، وإن أراد أنه أخذه من كونه ربويًا، فالفرض والتقدير المرتب عليه لازم بين بطلانه فمسلم، ولا تناقض فيه وهو شأن الاستدلال على المطلوب بقياس شرطي استثني فيه نقيض اللازم، فكيف يتوهم فيه أنه استدلال على ثبوت الشيء بثبوت نقيضه، ومن يتوهم هذا يؤول به توهمه في قوله تعالى: لو كان فيهما ءالهه إلا الله لفسدتا [الانبياء:] لشناعة فادحة؛ لكن عندي في تخريج اللخمي نظر من وجه آخر، وهو منع صدق إحدى مقدمتي دليله فنقول قوله: لو كان ربويًا كان مماثلًا لما لم يخرج زبده، وكل ما كان مماثلًا له إلخ، إن أراد