بالمماثلة المماثلة في كونهما لبنين فقط لا في ذلك مع كونه يخرج منه الزبد سلمنا الأولى ومنعنا صدق الثانية، ولا يتم دليل صدقها حينئذ وهو قوله: نسبة أحد المتماثلين الربويين لغيرهما كنسبة الآخر إليه؛ لأن ذلك إنما هو إذا نسب أحدهما لما نسب إليه الآخر في المعنى الذي وقعت المماثلة به، وهي ليست كذلك هنا؛ لأن نسبة الذي لم يخرج زبده إلى السمن إنما هي من حيث اشتماله على الزبد، وهذه الحيثية ليست هي التي وقعت المماثلة بها بينه وبين ما أخرج زبده إنما المماثلة بينهما من حيث كونهما لبنين فقط، وإن أراد بالمماثلة في كونه لبنا مع كونه يخرج منه الزبد اتضح كذب الأولى فضلًا عن منعها فتأمل هذا وحققه.
فإن قلت: يرد هذا بأن معروف المذهب أن نسبة الرطب الذي لا يتمر كنسبة الرطب الذي يتمر إليه، وإن كان لا يخرج منه تمر.
قُلتُ: ما به مماثلة الرطب الذي لا يتمر للرطب الذي يتمر هي المانع من بيع الرطب الذي يتمر بالتمر؛ لأن المماثلة بينهما هي في كونهما رطبين، وكونهما رطبين هي المانعة من بيع الرطب الذي يتمر بالتمر؛ لأنها الملزومة لعدم مساواة الرطب الذي يتمر للتمر، وإن ساواه حينئذ في القدر كمد رطبٍ بتمر بمد تمر حسبما أو مأ إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم قال: فلا إذن. مع علمه صلى بأنه ينقص فالعلة الموجبة للمنع هي كونه رطبًا؛ لأنها ملزومة لعدم مساواة المد من أحدهما للمد من الآخر؛ لأن بعض أجزاء الرطب الذي يتمر لما كانت بحيث لو يبس ذهبت حكم لها الشارع صلوات الله عليه بالعدم، وهذه العلة ثابتة في الرطب الذي لا يتمر؛ بل هي فيه أتم؛ لأنه بحيث لو يبس لم يبق منه شيء، وما به مماثلة اللبن الذي أخرج زبده لما لم يخرج منه زبده ليست هي العلة المانعة من بيع ما لم يخرج زبده بالسمن؛ لأن ما به مما ثلثهما إنما هي كونهما لبنين فقط، وعلة بيع ما لم يخرج منه الزبد بالسمن إنما هي كونه يخرج منه الزبد، وهذه العلة معدومة في اللبن الذي أخرج زبده.
فإن قلت: يرد هذا بقولها: لا خير في زيت زيوت بزيتون كان مما يخرج منه الزيت أم لا؛ لأن علة المنع فيما له زيت منتفية عما لا زيت فيه كاللبن المضروبمع غير مضروب.