قُلتُ: لا نسلم انتفاءها مطلقًا؛ لأن كل زيتون له زيت، وإن قل واللبن المضروب لا زبد فيه بحال.
ثم قال ابن عبد السلام: إن قلت: منع الرطب باليابس لا يشترط فيه كون الرطب على حالة يؤول بها الرطب إلى حالة اليابس من كل وجه؛ لأن الرطب الذي لا يتمر لا يصح بالتمر فقصارى ما أوردتم على اللخمي أن ما أخرج زبده مع الذي فيه زبد كرطبين أحدهما يتمر دون الآخر، وعلى هذا التقدير، عدم خروج الزبد من اللبن المضروب لا يخرجه عن حكم اللبن في منع بيعه بالسمن، فلما لم يمنع ذلك مالك دل على أنه ليس من اللبن الربوي، وهو المطلوب انتهى.
قُلتُ: هذا الكلام إذا تأملته لم تجد له تعلقًا بالكلام السابق الذي يليه؛ لأن كلامه السابق على هذا إنما هو تضعيف تخريج اللخمي باشتماله على التناقض الناشئ عن أخذه كونه غير ربوي من كونه ربويًا حسبما تقدم، فقوله: إن قلت: لا تعلق له بحال، وإنما يتعلق بقوله: أولًا ما أخرج زبده لا يخرج منه زبد، وهو ما قررت به رد تخريج اللخمي بمنع إحدى مقدمتي دليله، وبيانه أن نقول قولكم في الرد المماثلة إن كانت في كونهما لبنين فقط دون كون أحدهما يخرج منها الزبد صدقت المقدمة الأولى دون الثانية؛ لأن نسبة ما لم يخرج زبده للسمن إنما هي من حيث اشتماله على الزبد إلخ مردود بالرطبين اللذين لا يتمر أحدهما، فإن نسبة ما يتمر منهما للتمر في منع بيعه به إنما هي من حيث قبول صيرورته تمرًا، وما لا يتمر، هذه الحيثية غير ثابتة له، مع أن نسبته للتمر في منع بيعه به كنسبة ما يتمر فكذا ما أخرج زبده مع ما لم يخرج زبده، وقد تقدم لنا جواب هذا السؤال وأجاب هو عنه بأن قال قلت: هذا السؤال غير لازم؛ لأن ما ذكر تموه في باب منع الرطب باليابس إنما هو في النوعين الداخلين تحت جنس واحد، وصنفين تحت نوع كلحمين أحدهما يابس والآخر رطب أو كالرطب بالتمر، وأما السمن والزبد مع اللبن فليس من هذا إنما هما جزآن من اللبن الذي لم يخرج زبده، وتحقق ذلك أن النوع مضاد لنوعه في المعنى، فإنه لا يصلح كون الحيوان الواحد طائرًا إنسانًا ولا ذكرا أنثى فلا يجتمعان بوجه، بخلاف السمن واللبن على ما قلنا فحيث منع شيء من هذا فإنما منع لأجل المزابنة التي تكون في الربوي وغيره لا لكونه ربويًا.