قُلتُ: ظاهر كراهته الزيتون من غير ذكر تحريه مع إجازته التحري فيما قبله وفيما بعده منعه فيه، وذكر ابن الحاجب: فيه قولين، ولم أجد من ذكرهما نصًا فيه، وتخريجهما من غيره واضح.
اللخمي: في جواز العجين بالدقيق تحريًا روايتان:
ابن رُشْد: العجن ليس بصنعة، لا يجوز دقيق بعجين متفاضلًا اتفاقًا.
وفي جوازه تحريًا ثالثها في اليسير كسلف بعض الجيران الخميرة يرد فيها دقيقًا أو يبدلونها به، لابن حبيب مع أحد سماعي عيسى ابن القاسم، وثانيهما وثاني سماع ابن القاسم مع نص رواية محمد، وقول أشهب بالمنع قيل لعدم استطاعة تحريه، وقول سَحنون: لأن أصل الكيل للدقيق، وأصل العجين الوزن، ولا يتحرى ما أصله الكيل؛ بل ما أصله الوزن غير بين؛ لأن معنى تحري المكيل لعدم، تعذر ما يكال به من قدح أو صحفة، وإن لم يكن مكيالًا معلومًا، وما يوزن به قد يتعذر، والعجين لا يمكن كيل دقيقه بحال، فالتحري فيه أجوز من الموزون لعدم الميزان، ولذا أجاز ابن القاسم خبز القمح بخبز الشعير بتحري كيل دقيقهما، وأجاز التمر المنثور بالمكتل تحريًا إذ لا يتأتى كيل التمر المكتل.
قُلتُ: المكتل يحتمل أنه اسم مفعول من فعل مضعف العين لقول الجوهري: الكتلة المجتمعة من الصمغ، أو على وزن فعل كز من لقول ابن سيده، كتل الشيء فهو كتل تزلق وتزلج.
ابن شاس: ما كانت رطوبته طارية كالقمح المبلول مثلًا بمثل المشهور منعه لاختلاف البلل، وقيل بالجواز قياسًا على الرطب بالرطب.
ابن بشير: غي بيع ذي الرطوبة الطارئة بعضه ببعض مثلًا بمثل الجواز لتساوي حالتيهما، والمنع؛ لأن المقصود حالة الجفاف، ولا يقطع بالتساوي فيهما وتوهم الفضل كتحققه.
وقال ابن رُشْد: في رابع مسألة من رسم أوصى من سماع عيسى من جامع البيوع لا خلاف في منع بيع الزيتون الطري بالجاف منه كيلًا بكيل كالرطب بالتمر، والفريك بالقمح والحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة؛ لأن بعض المبلول أشد انتفاخًا من بعض.