قُلتُ: ظاهر لفظ ابن شاس أن القول بالجواز إنما هو مخرج على جواز بيع الرطب بالرطب، ويرد بأن رطوبة الرطب أصلى الله عليه وسلمة لا عارضية ولا معروضة؛ لأن تكون بفعل آدمي، وبأنه كذلك يؤكل ولاييبس فلا يصير لحالة يختلف فيها قدره، وقد أشار ابن بشير إلى هذا في تعليله المنع ولازم صحة التخريج تناقض المشهور؛ لأنه في الرطبين الجواز، وفي المبلولين المنع، وظاهر قول ابن بشير أن القول بالجواز منصوص لا مخرج، وظاهر سياق ابن رُشْد الاتفاق على منعه، وقال في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف: ظاهر هذا السماع وسماع عيسى ابن القاسم في جامع البيوع جواز بدل القمح المأكول والمعفون بالسالم على وجه المعروف، ومنعه أشهب كالدنانير الكثيرة النقص بالوازنة فلم يجز المعفون بالصحيح إلا أن يشبه بعضه بعضًا ولا يتفاوت، وأجاز ذلك سَيحون في المعفون، وفرق بين الدنانير والطعام، بأن الدنانير الوازنة بينها وبين الناقصة فضل في الوزن، ولا فضل بين المعفون والصحيح، وكرهه في المأكول إذا ذهب أكثر الحبة.
قُلتُ: يريد في المأكول إذا ذهب أكثر الحبة قلت: يريد بالمأكول السايبس وبه عبر اللخمي وذكر قول أشهب في الكثير قال عنه: ولا بأس إذا قل الطعام، كالدنانير اليسيرة، وإن كثر الطعام، وعفنه مختلف أو كان بأحدهما فقط لم يجز كالدنانير إذا كثرت، وكذا القمحان أحدهما كثير التراب لا يصلح إلا في اليسير، وتقدم منع ابن حبيب قديدًا بمثله ومشويًا بمثله، وذكر اللخمي قبل ذكره جوازه كأنه المذهب، وعبر عنه المازري وابن شاس بالمشهور وتبعه ابن الحاجب، وأشار بمناقضته المشهور في منع المبلول بالمبلوب، ويجاب بأن المشوي والقديد لا يؤول لحالة تبين اختلاف قدره؛ لأنه كذلك يؤكل، وغالب مبلول الحنطة أكله بعد يبسه فيؤول لحالة تبين اختلاف قدره.
الباجي: مابه التماثل: الكيل في الحبوب؛ لأنه نصه صلى الله عليه وسلم في التمر والحبوب مثله في نصب الزكاة، وقدر زكاة الفطر والفدية وما لا قدر له في الشرع إن تقرر مقداره كيلًا أو وزنًا في كل بلد كالوزن في اللحم والجبن قدر به، وانظر ما اختلف فيه البلاد كالسمن واللبن والزيت والعسل في بعض البلاد مكيل، وفي بعضها موزون وما لا يتقرر فيه كيل ولا وزن؛ كالبيض والجوز على أنهما ربويان.