الصقلي: أراهم أنهم جعلوا إذا لم يخرج العامل إلا عمل يده أنه أجير، وإن كافأ عمله ما أخرج صاحبه، وإن أخرج العامل شيئا من المال بقرا أو شيئا من الزريعة، ولو قل وكافأ ذلك وعمل يده ما أخرج الآخر فإنهما شريكان، والقياس أنهما سواء ولكنهم أهدى إلى الصواب.
قلت: تقرير كون ما قالوه هو الصواب أن حقيقة الشركة مباينة لحقيقة الإجارة؛ لأن حقيقة الشركة عدم انفراد أحدهما بإخراج المال، والآخر بإخراج العمل والإجارة على عكس ذلك، وحكم الشركة أن فائدتها يجب أن تكون معلومة لمستحقها بطريق نسبة بعض الشيء إليه كالنصف لا بمعرفة القدر وزنا أو عددا كعشرة دنانير ونحوها، وحكم الإجارة أن فائدتها يجب أن تكون معلومة لمستحقها بعكس ذلك.
والمزارعة قال ابن رشد: هي شركة وإجارة من غلب عليها الشركة لم يجعلها لازمة بالعقد، ومن غلب عليها الإجارة جعلها لازمة به.
إذا تقرر هذا فكلما لم ينفرد أحدهما في المزارعة بإخراج مال كان شبهها بالشركة ثابتا ضرورة لاشتمالها على خاصية الشركة، وكلما انفرد أحدهما بإخراج المال والآخر بالعمل بطل كونها مزارعة؛ لانتفاء لازمها حينئذ، وهو اشتمالها على خاصية الشركة وصارت محض إجارة لمماثلتها حينئذ إياها فيجب كونها فاسدة؛ لأن حكم الإجارة وجوب كون فائدتها معلومة القدر وزنا أو عددا، وسمع عيسى ابن القاسم: إن اشتركا على غير سلف، ثم سأله سلف الزريعة فأسلفه فلا بأس، والشركة حلال إن كافأ قيمة العمل كراء الأرض.
ابن رشد: هذا على أنها تلزم بالعقد وتقدم ما فيه.
وعملها مؤولة الزرع قبل تمام يبسه.
وفي كون الحصاد والدرس منه وعدمه فلا يجوز شرطه نقلا الصقلي عن ابن القاسم وسحنون قائلا: إذ لا يدري كيف يتم ولا كيف يكون وصوبه.
قال: لأنه يقل ويكثر، وكذا شرط النقاء والبذر إن كان منهما ففي شرطها بخلطه قولا سحنون وعيسى عن ابن القاسم.