قُلتُ: كذا نقلها ابن شاس، ولا أعلم من نقلها قبله غير القاضي في المعونة، ويؤخذان من قولي مالك فيها: من حبس حائطاً على قوم معينين فكانوا يلونه ويسقونه، ومات أحدهم قبل طيب الثمرة، فجميعها لبقية أصحابه، وإن لم يلوا عملها، وإنما تقسم عليهم الغلة فنصيب الميت لرب النخل، ثم رجع مالك إلى رد ذلك لمن بقي وبهذا أخذ ابن القاسم.
قُلتُ: ففي نقل حظ معين من طبقة بموته لمن بقي فيها أو لمن بعدها القولان بالأول أفتى ابن الحاج، وبالثاني أفتى ابن رُشْد، وألف كل منهما على صاحبه.
قال ابن رُشْد في مسألة من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحُبُس ما نصه: وفيها معنى وينبغي أن يوقف عليه، وهو قوله: إن هلك رجل من الورثة الذين أوصى لهم بحظه لولده، وهو قد حبس عليهم، ثم على أولادهم من بعدهم إذ لا يقتضي قوله: على أولادهم أن لا يدخلوا ولد من مات منهم في الحُبُس حتى يموتوا كلهم؛ لأن قوله ذلك يحتمل أن يريد به، ثم على أعقابهم من بعد انقراض جميعهم وأن يريد، ثم على أعقاب من انقرض منهم إلى أن ينقرض جميعهم؛ لاحتمال اللفظ المعنيين معاً بالسوية، وكذلك في عطف كل جمع على جمع، ويجوز أن يعبر به عن كل واحد من الوجهين، وهو بين من قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: ٢٨]؛ لأنه قد علم أنه تعالى أراد بقوله:{فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} أنه أمات كل واحد منهم بعد أن أحياه قبل أن يحيي بقيتهم، وأنه تعالى أراد بقوله:{ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} أنه لا يحيي منهم حتى يميت جميعهم، والصيغة واحدة فلولا أن كل واحدة فيهما محتملة للوجهين لما صح أن يريد بالواحدة غير مراده بالأخرى، وهذا أبين من أن يخفى، فإذا كان قوله على أولاده محتملاً للوجهين وجب أن يكون حظ من مات منهم لولده لا يرجع على إخوته؛ لأن ما هلك عنه الرجل ولده أحق به من إخوته فترجح بذلك أحد الاحتمالين؛ لأن الأظهر من قصد المحبس أن ذلك بينهم على سبيل الميراث فقال: على أعقابهم فلا يدخل الولد مع والده في الحُبُس حتى يموت، ولو أراد أن لا يدخل في الحُبُس حتى يموت والده، وجميع أعمامه المحبس