للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلتُ: قوله: اختلاف في جواز توليته إن أراد مع وجود ذي الرتبة الأولى؛ فصحيح، وإن أراد مع فقده، فظاهر أقوالهم صحة توليته؛ خوف تعطيل الحكم بين الناس دون خلاف في ذلك، وقول ابن الحاجب، وقيل: لايلزمه، وقيل: لا يجوز له إلا باجتهاد.

ابن عبد السلام: يعني: إن ولي المقلد لعدم المجتهد فهل يلزمه الاقتصار على قول إمامه أو لا؟ والأصل عدم اللزوم؛ لأن المتقدمين لم يكونوا يجبرون على العوام اتباع عالم واحد، ولا يأمرون من مال أحدهم عن مسألة أن لا يسأل غيره؛ لكن الأول من حق القاضي لزوم طريقة واحدة، وإنه وإن قلد إماما لا يعدل عنه لغيريه؛ لان ذلك يؤدي لتهمته بالميل، ولما جاء من التخلي عن الحكم في قضية بحكمين مختلفين.

قُلتُ: حمله كلام المؤلف على أن في لزوم المقلد اتباع قول إمامه، وجواز انتقاله عنه إلى قول غيره قولين فيه نظر؛ لأن القولين على هذا الوجه ليسا بموجودين في المذهب فيما أدركت، والصواب تفسير القولين بما قدمناه من قول ابن العربي، ويحكم بنص قول مقلده، فإن قاس عليه، أو قال: يجيء من هذا كذا فمتعد، وبقول التونسي، واللخمي، وابن رُشْد، والباجي، وأكثر الشيوخ بالتخريج من قول مالك، وابن القاسم وغيرهما، حسبما قدمناه عنهم، قال ابن عبد السلام: وقوله: وقيل: لايجوز إلا باجتهاده؛ يعني أنه لا يجوز تولية المقلد البتة، ويرى هذا القائل أن مواد الاجتهاد موجودة لزمن انقطاع العلم، كما أخبر به، وإلا كانت الأمة مجتمعة على الخطأ.

قُلتُ: حمله على عدم تولية المقلد مطلقاً؛ هو ظاهر لفظه، وقبوله إياه يقتضي وجوده في المذهب، ولا أعرفه إلا ما حكاه المازري عن الباجي في تعليله منع تولية قاضيين لاينفذ حكم أحدهما دون الآخر، فإن ذلك يوجب التعطيل؛ لأن غالب المجتهدين الخلاف، والمقلدان توليتهما ممنوعة، كذا نقل المازري عن الباجي، ولم أجده له في المنتقي، ولا في كتاب ابن زرقون، وما أشار إليه من يسير الاجتهاد هو ما سمعته يحكيه عن بعض الشُيُوخ: أن قراءة مثل هذه الجزولية والمعالم الفقهية، والإطلاع على أحاديث الأحكام الكبرى لعبد الحق، ونحو ذلك يكفي في تحصيل آلة الاجتهاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>