ولابن رشد في ثالث مسألة من رسم الجواب من سماع عيسى: لا خلاف في نقضه حكم من قبله إن كان خطأ لم يختلف فيه، وغن كان اختلف فيه؛ لم يرده، وقيل: يرده إن كان شاذًا.
وقال ابن الماجشون: يرد، وإن كان الخلاف قويًا مشهورًا إن كان خلاف سنة قائمة وتعقب ابن عبد السلام قول أهل المذهب: لا يتعقب حكم العدل العالم، ولا ينقض منه إلا ما خالف القطع بأن التعقب أعم من النقض نفي، فينتفى النقض، فكان ينقض منها ما خالف القطع.
وأجاب: بأن مرادهم بالنقض المنفي هو نظر ما جهل من أحكامه، والنقض هذا ما علم بظاهره الخطأ، وهذا حسن افتقار التأويل عنه في نازلة نزلت بتونس في نحو عام ست وثلاثين وسبعمائه، وهي مسألة شيخنا ابن عبد الله بن الحباب كان حكم عليه قبل هذه المرة بنحو عشر سنين الشيخ الفقيه أبو إسحاق بن عبد الرفيع في جنة استحقها منه بنو البسطي في عنفوان كمال تمكنهم من دولة السلطان الأمير أبي يحيى: فحكم عليه في بناء أحدث بها بعد خروجها من يد أبي بني البسطي كان أحدثه القائد ابن يعقوب، وكان بناء رفيعًا، فحكم عليه فيه بقيمته منقوضًا مقلوعًا، فلما انتسخ تمكن بني البسطي طلب ابن الحباب أن يجعل له مجلسًا ينظر فيه في الحكم المذكور، فأمر به السلطان، واجتمعوا بدويرة جامع الزيتونة كل من ينطلق عليه اسم فقيه معتبر حينئذ حقيقة أو مجازًا، فلما اجتمعوا ورئس المجلس حينئذ القاضي ابن عبد السلام، وكان اعتذر للسلطان عن الحكم بينهما بأن شهادته تقدمت في الحكم المذكور، فصرف الحكم بينهما لقاضي الأنكحة حينئذ؛ وهو الشيخ أبو محمد الأجمي فقال لأهل المجلس: ما تشهدون به من حال الفقيه أبي إسحاق بن عبد الرفيع هل كان من قضاة العدل والعلم أم لا؟ فقال جلهم: هو من قضاة العدل والعلم، فقال لهم: أشهدوا علي بأني أمضيت حكمه هذا، وكل ذلك بمحضر الشيخ الفقيه ابن عبد السلام، فلم يتعرض له في ذلك لا بسؤال، ولا إنكار، فكان شيخنا ابن الحباب ينكر هذا الحكم أيضًا، ويحتج بما تقدم أن القاضي العدل العالم ينظر في حكمه المعين البين الخطأ، ولا أبين من خطأ الحكم بقيمة