قول الحاكم إلا ببينة، وهو أشبه في قضاة اليوم؛ لضعف عدالتهم.
المازري من الحكمة والمصلحة منع القاضي الحكم بعلمه خوف كونه غير عدل، فيقول: علمت فيما لا علم له به، وعتلى هذا التعليل؛ لا يقبل قوله: ثبت عندي كذا إألا أن يسمي البينة، وقد ركب ابن القصار هذا وقال: لا يقبل منه حتى يسمي البينة، وكذا قال ابن الجلاب، فذكر ما نقله اللخمي عنه قال: وقال: أصبغ في الواضحة: إن أنكر المحكوم عليه أنه خاصم عند القاضي، وأعذر إليه، فحكم عليه قبل قول القاضي أنه فعله؛ ابن الجلاب: إن أنكر أنه أقر بعد الحكم؛ لم يفده على المشهور، وفي الجلاب: إن ذكر الحاكم أنه حكم، فأنكر المحكوم عليه؛ لم يقبل إلا ببينة على حكمه.
ابن عبد السلام: إنما فسر المؤلف الشاذ بقول ابن الجلاب؛ لأن كلامه ليس نصًا في مخالفته القول المشهور؛ لأن مسألة المشهور ما خالف الخصم في أن القاضي حكم عليه؛ إنما خالف في سببه القاضي بقول: حكمت عليك بعد إقراره، والخصم يدعي جوره أو سهوه، ويقول: حكم علي، ولم أقر.
وفي مسألة الجلاب: القاضي يقول: حكمت عليه، والخصم يقول: ما حكم علي، ولو عرضت مسألة المشهور على الجلاب؛ لاحتمل أن يوافق المشهور لإقرار الخصم فيها أن القاضي حكم عليه.
قُلتُ: هذا يدل على فهمه مسألة الجلاب على أن قبول قول القاضي إنما يتوقف على البينة بقضائه بذ لك فقط، ودليل قول المازري المتقدم: أنه متوقف على إثباته البينة التي حكم بها تسميتها لا البينة بمجرد حكمه، وهو مقتضى جعل اللخمي قول الجلاب خلاف المشهور؛ لأن المسألة التي جعل حكمها هو المشهور؛ إنما هو فيها قبول قول القاضي في إسناده حكمه الذي أنفذه لموجبه الشرعي، وهو إقرار الخصم المستمر لوقت نفوذ الحكم عليه، وجعل قول الجلاب خلافه، ولا يتقرر كونه خلافه إلا بما فسر به المازري من أنه موقوف على ثبوت ما استند إليه حكمه شرعًا بتسميته وهو البينة، وذلك بخلاف ما فسر به الشيخ فتأمله، ثم قال اللخمي: إن أنكر المحكوم عليه أنه خاصم عند هذا القاضي، وقال القاضي: خاصمت وأعذرت إليك وعجزت،