للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه لا يرى ذلك الرأي، فإن كتب له أنه حكم بما في كتابه وأنفذه؛ جاز وأنفذه هذا، وإن لم يكن؛ قطع بحكم، إنما كتب بما ثبت عنده للخصم، فلا يعمل هذا برأي الذي كتب، وليعمل فيه برأيه.

وقال سحنون: إن كتب إليه برأيه، فرأى خلافه؛ فلا ينفذه؛ لأن ذلك لم ينفذ شيئا يقتضي أن عدم إثبات الثاني إنما هو فيما لم ينفذه الأول، وقول أشهب إنما هو فيما أنفذه الأول، فلا يكون خلافا لقول سحنون.

قال ابن عبد السلام: ولا يكون قول القاضي ثبت عندي كذا حكما منه بمقتضي ما ثبت عنده، فإن ذلك أعلم منه، وإنما أوجب هذا البيان أن بعض من ينتمي إلى علم الأصول من أهل القير وإن غلط في ذلك، فألف الإمام المازري جزءاً في الرد عليه، وجلب فيه نصوص المذهب، والمسألة جلية لا تحتاج إلى بيان.

قلت: نقلت للشيخ حين قراءة هذه المسألة قول المازري: اختلف العلماء في اقتصار القاضي على تسمية بينة ثبتت عدالتها عنده هل ذلك كنقل شهادة عن شهادة، أو كالقضية المنفذة؟ فمن رآه كالقضية المنفذة تناقض في تفريقه بين أن يحكم القاضي، أو يسمع بينة عليه، ويحكم بثبوتها عنده؛ لأن حكمها بثبوتها عنده يمنع القاضي الآخر من الاجتهاد في ثبوتها، وكذا من أجرى ذلك مجرى نقل الشهادة عن الشهادة تناقض؛ لأن القاضي واحد، وإذا كان قوله: ثبت عندي بشهادة فلان وفلان نقلاً، فنقل واحد شهادة شهود لا يعول عليه؛ لكنهم جعلوا حرمة القضاء ومنصبه يصير القاضي، وإن كان هو واحدا، وكذا نقله عن شهود شهدوا عنده بخلاف ناقل عن شهود ليس له أن يقضي بشهادتهم، ولا شك أن ذكر القاضي بثبوت شهادة عنده على غائب ليس بقضية محضة، ولا نقل محض؛ بل هو مشوب بالأمرين، فينظر أولاهما به، فيسد إليه: فقال لي: نقلك عن المازري: أن قول القاضي ثبت عندي أنه كالقضية المنفذة عند بعضهم؛ بعيد، فإنه ألف جزءاً خطأ فيه من زعم أن قول القاضي: ثبت عندي حكم، فوقفته بعد انقضاء مجلس الدرس على قول المازري المتقدم، فدخل منزله، وأخرج إلى الجزء الذي ذكره

<<  <  ج: ص:  >  >>