للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المزارعة نقل قول الشيخ الفقيه أبي عبد الله بن شعيب محتجاً بقوله تعالي: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:٦].

وأما الكذب؛ فنصها: مما يخرج به الشاهد قيام بينة عليه أنه كذاب في غير شيء واحد، ونقلها ابن الحاجب بأنه معروف بالكذب في غير شيء واحد.

قال ابن عبد السلام: كلامه يعطي تكرار الكذب ممن ثبت عليه ذلك، وأنه مشهور به من قوله معروف، ولم يشترط هذا القيد الأخير في المدونة، ويكفي تكرار الكذب.

قلت: قوله: لا يعطي تكرار الكذب لا وجه لتخصيصه به دون المدونة؛ لأن فيها لفظ كذاب وفعال؛ يدل على التكرار ضرورة، وقوله: إنه مشهور من قوله: معروف؛ يرد بمنعه؛ لأن مدلول مشهور أخص من معروف، ولا يلزم من صدق الأعم؛ صدق الأخص.

قوله: لم يشترط هذا في المدونة: إن أراد به كونه مشهوراً؛ فلا يضر لما بينا أن لفظ معروف لا يستلزمه، وأن أراد لفظ معروف؛ لم يشترطه في المدونة إن أراد نصاً، فمسلم وإن أراد ولا ملزوماً منع، وهذا لأن لفظ قولها: قيام البينة العادلة أنه كذاب بصيغة المبالغة؛ يدل على أنه معروف بمطلق الكذب عادة؛ لأن الغالب في العادة أنه لا يثبت بالبينة العادلة على رجل أنه كذاب في غير شيء، إلا وهو معروف، وبمطلق الكذب، فتأمله منصفاً.

قال: ولو لم يشترط التكرار؛ لكان له وجه؛ لأن التجريح بهذه المواقع كلها على كثرتها؛ إنما هو على تحصيل الصدق، وأنه لا يغتفر للشاهد من الأوصاف ما يظن ممن شرب خمراً، أو أكل ربا، أو أخل بمروءته.

قلت: ظاهر قوله: لو قيل: إن المنصوص أو المعروف؛ أنه لا يجرح بثبوت مطلق الكذب بصدوره مرة، ولا أعلم فيه نصاً، ويحصل من نقل الباجي وابن رشد في هذا الأصل خلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>