منهم، فلم ير منهم إلا خيراً، وذكر أن أبا جعفر أمر لمالك بثلاث صرر من الذهب دنانير، فأتبعه الرسول بها؛ فسقطت منه صرة في الزحام، فأتاه بصرتين، فسأله عن الثالثة، فأنكرها؛ فألزمه مالك فيها حتى أتاه بها بعض من وجدها، فرفعها إليه، وجميع القضاة من السلطان يرزقون ويأكلون، فكتب إليه سحنون: من قبل الجوائز من العمال المضروب على أيديهم؛ سقطت شهادته، ومن أكل من الزلة والفلتة؛ فغير مردود الشهادة؛ لأن الأمر الخفيف من الزلة والفلتة لا يضر في العدالة والمدمن على الأكل منهم ساقط الشهادة، وما قلته من قبول ابن شهاب ومالك؛ ليس بحجة؛ لأن ذلك من أمير المؤمنين، وجوائر الخلفاء جائزة لا شك فيها على ما شرط مالك؛ لاجتماع الخلق على قبول العطية من الخلفاء ممن يرضي به منهم وممن لا يرضي، وجل ما يدخل بيوت الأموال مستقيم، وما يظلم فيه قليل في كثير، ولم ينكر أحد من أهل العلم أخذ العطاء من زمن معاوية إلى اليوم، والقضاة أجراء للمسلمين لهم أجرهم من بيت مال المسلمين، وما ذكر عن ابن عمر: سمعت على بن زياد ينكر ذلك عن ابن عمر ويدفعه.
ابن رشد: وله قبولها من العمال المضروب على أيديهم جرحه صحيح؛ ومعناه عندي: إذا قبلوا ذلك من العمال على الجباية الذين؛ إنما جعل لهم قبض الأموال، وتحصيلها دون وضعها في وجوها بالاجتهاد.
وأما الأمراء الذين فوض إليهم الخليفة، أو خليفته قبض الأموال، وصرفها في وجوهها باجتهادهم؛ كالحجاج وشبهه من أمراء البلاد المفوض جميع الأمور فيها إليهم؛ فجوائزهم كجوائز الخلفاء، فإن صح أخذ ابن عمر جوائز الحجاج، فهذا وجهه.
وأما القضاة والأجناد والحكام، فهم أخذ أرزاقهم من العمال المضروب على أيديهم الذي فوض إليهم النظر في ذلك، وضرب على أيديهم فيما سواه.
وروي عن مالك أنه قال: لا بأس بجوائز الخلفاء، فأما جوائز العمال؛ ففيها شيء يريد الذي ظاهر أمرهم أنهم مفوض إليهم من قبل خلفائهم، ولم يتحقق ذلك، ويريد أن الأخذ منهم مكروه، ولو تحقق التفويض إليهم، لم يكن لكراهة أخذ جوائزهم وجه، كما أنه لو تحقق أنه لم يؤذن لهم في إعطاء المال باجتهادهم لمن لم يعمل عملاً لم يكن