الاستزكاء مهما شك، وإن سكت الخصم إلا أن يقر بعدالته، وسياق كلامهما يدل على أن إقرارهما بعدالته؛ إنما هو بعد أداء شهادته لا قبلها.
وعبر ابن الحاجب عن ذلك بقوله: ولو أقر الخصم بالعدالة؛ حكم عليه خاصة، ولا أعرف هذا الفرع لأحد من أهل المذهب، ونقله ابن شاس، وابن الحاجب عن المذهب؛ يقتضي أنه نص فيه، فالله أعلم هل وقعا عليه في المذهب نصاً، أو إنما وجداه للغزالي، فظناً أنه جار على أصول المذهب؟ وهذا العذر لا يبيح إضافته للمذهب نصاً، ولهما مثل هذا في مواضع كثيرة، وفي جرية على أصل المذهب نظراً؛ لأنه إقرار متناقض، فيجب طرحه؛ لبطلانه بتناقضه، وتقريره أن الخصم إن أقر بحقيه ما شهد به؛ صار موجب الحكم عليه إقراراً، وقد فرضناه بينه، هذا خلف، وإن نفي حقيه ما شهد به؛ كان حاكماً عليه بالكذب عمداً أو تعقلاً، وكلاهما منافي للعدالة المعتبرة في الحكم.
فإن قلت: قد نص عليه أو عمر في آداب القضاة من كافية قال ما نصه: إن شهد عند القاضي شهود لم يعرفهم، واعترف المشهود عليه بعدالتهم؛ قضي بهم عليه إذا لم يكذبهم، ولا يقضي بهم على غيره إلا بتعديل.
قلت: قول أبي عمر: إذا لم يكذبهم، تصير المسألة إلى باب الإقرار لا الحكم بالبينة.
وقال المتيطي: إثر قول أبي عمر قال أصبغ: إذا رضي الخصمان بشهادة من لا يعرفه القاضي، لم يحكم بها.
ولابن عات في الاستغناء عن ابن كنانة: إن شهد من عدله رجل على من عدله؛ لم يكلف تعديله، لأنه رضي بشهادته بتعديله، وزيادة أبي عمر لم يكذبهم لم يذكرها ابن الحاجب.
وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم في التزام أحد الخصمين شهادة فلان: أنه إن قاله تبكيتاً لخصمه، وإبراء للشاهد من الكذب؛ لم يلزمه ما يشهد به عليه اتفاقاً، وإلا ففي لزومه له فيما تحققه كدين عليه وما لا تحققه كدين على أبيه، أو حدود أرض ثالثها: في هذا المطرف وابن القاسم، مع ابن الماجشون، وأصبغ، وعيسي بن دينار، وابن كنانة مع ابن دينار، واختيار سحنون، كان الشاهد عدلاً أو مسخوطاً أو نصرانياً،