قلت: هذا خلاف تغليط ابن رشد ابن لبابة المتقدم، وما نسبه لحكاية بعض الثقات هو نقل ابن سهل عن ابن الماجشون في غير الواضحة: الشهادة على الخط باطلة، وما قتل عثمان بن عفان إلا على الخط، وما رمي به عنه، وكتب عليه.
وعلى معروف المذهب في الشهادة على خط المقر قال المازري: نزل سؤال منذ نيف ولخمسين سنة، وشيوخ أهل الفتوى متوافرون، وهو أن رجلين غريبين ادعى أحدهما على صاحبه بمال جليل، فأنكره، فأخرج المدعي كتاباً فيه إقرار المدعى عليه، فأنكر كونه خطه، ولم يوجد من يشهد عليه، فطلب المدعي كتبه، فأفتى شيخنا عبد الحميد بأنه لا يجبر على ذلك.
وأفتى شيخنا أبو الحسن اللخمي: أنه يجبر على ذلك، وعلى أن يطول في ذلك تطويلاً لا يمكن فيه أن يستعمل خطا غير خطه، ثم اجتمعت بعد ذلك بالشيخ أبي الحسن، وأخذ معي في إنكار ما أفتى به صاحبه الشيخ أبو محمد عبد الحميد، فقلت له: احتج هذا بأن هذا كإلزام المدعي عليه ببينة بقيمها لخصمه عليه، وهذا لا يلزمه، فأنكر على هذا، وقال: إن البينة لو أتى بها المدعي عليه: شهدت علي بالزور؛ فلا يلزمه أن يسعى فيما يعتقد بطلانه، والذي يكتب خطه؛ ليعلم أن ما ادعى المدعي إلا حقا.
قلت: الأظهر ما قاله الشيخ عبد الحميد، ومقتضى قوله وظاهر سياقه.
المازري: إنه لو شهدت بينة عدلة على مكتوب بشيء ما لا يحق المدعي أنه بخط المدعي عليه، وهو مماثل لخط الكتاب الذي قام به المدعي أنه يثبت لذلك للمدعي دعواه.
وفيه نظر؛ لأنه لا يحصل للشاهد المدرك الممائثلة بين الخطين ظن كون الخط الذي قام به المدعي أنه خط المدعي عليه بمجرد إدراكه المماثلة مرة واحدة، ولا يحصل إدراك كون الخط خط فلان إلا بتكرار رؤية وضعه أو سماع مفيد للعلم بأنه خطه حسبما أذكره في الشهادة على خط الغائب إن شاء الله تعالى.