إنما هو من يدعى للشهادة بعد أن شهد، ومثله لابن حبيب عن رواية مطرِّف.
قال مالك في المجموعة: وأما قبل أن يشهد فأرجو أن يكون في سعة إن كان، ثم من يشهد، وليس كل الأمر يجب الرجل أن يشهد عليه، وقاله ابن كنانة.
وقال: إن لم يجد غيره، وخاف أن يبطل حقه إن لم يشهده، فعليه أن يجيب، وإن وجد غيره مستعتباً فهو بالخيار، وكذا الكاتب يدعى إلى أن يكتب، ودعي مالك، وقد دخل السوق إلى شهادة، فلم يجب واعتذر لمن دعاه فقال: أخاف أن يكون في أمرك ما لا أرى أن أشهد به، فيقتدي بي من حضر فقبل منه، وفي «نوازل سَحنون» إنما الآية فيمن عنده [علم قد أشهد عليه، ومن لم يكن عنده] فهو في سعة إن كان بالبلد غيره ممن يشهد.
ابن رشد: الدعاء ليشهد على الشهادة، ويستحفظها فرض كفاية كالجهاد، وصلاة الجنازة فمن كان بموضع ليس فيه من يحمل ذلك عنه تعين عليه، ومن أهل العلم من أوجب الشهادة على كل من دعي إليها لقوله تعالى:{وَلا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}[البقرة:٢٨٢] وليس بصحيح؛ لأن الشاهد لا يصح أن يسمى شاهداً إلا بعد أن يكون عنده علم بالشهادة لا قبل ذلك.
قلتُ: ذكر ابن عبد السلام هذا الذي احتج به ابن رشد سؤالاً، وتعقبه عنه بقوله.
فإن قلت: الشاهد حقيقة من تحمل الشهادة لا من طلب منه تحملها على ما تقرر في أصول الفقه في مسائل الاشتقاق، فيترجح حمل النهي في الآية على الإباية من أداء الشهادة؛ لأنه حمل الكلمة على حقيقتها، وعلى ما قلتموه يكون حملاً لها على مجازها.
قلت: قال بعض حذاق المتأخرين: ذلك للتفصيل في المشتق إنما هو إذا كان الوصف محكوماً به، وإن كان متعلق الحكم كقوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}[التوبة:٥] فهو حقيقة في الجميع فيما حصل، وفيما يستحصل، فالشاهد في هذا الموضع حقيقة فيمن تحمل الشهادة، وفيمن هو متهيأ لتحملها.
قلت: قوله: فالشاهد في هذا الموضع حقيقة فيمن تحمل الشهادة، وفيمن هو متهيئاً لتحملها؛ وهم مشأ عدم تحقيقه فهمه كلام من عبر عنه ببعض حذاف المتأخرين، وهو القرافي، وبيانه بذكر كلامه، وتقرير فهمه بما يجب.