بعض. وفي رواية: من زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً، أو قال: شفيعاً" أخرجه العقيلي في "كتاب الضعفاء"، وابن عساكر بلفظ: "من زارني في المنام، كمن زارني في حياتي، والباقي سواء" وهو حديث منكر جداً، ليس بصحيح، ولا ثابت، بل هو موضوع على ابن جريج، وقد وقع تصحيف في متنه وإسناده.
وفي حديث: "من أتى المدينة زائراً إليَّ، وجبت له شفاعتي يوم القيامة" أخرجه يحيى الحسيني في "أخبار المدينة"، وهو حديث باطل لا أصل له، وخبر معضل لا يعتمد على مثله، وهو من أضعف المراسيل، وأوهى المنقطعات، ولو فرض أنه من الأحاديث الثابتة، لم يكن فيه دليل على محل النزاع، وكذا حديث: "من لم تمكنه زيارتي، فليزر قبر إبراهيم الخليل"؛ فإنه من الأحاديث المكذوبة، والأخبار الموضوعة، كما ذكر في "الصارم".
وبالجملة: هذه جميع الأحاديث التي استدل بها: تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة ست وخمسين وسبع مئة في "شفاء السقام في زيارة خير الأنام"، والشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي المكي في "الجوهر المنظم في زيارة النبي المكرم"، وغيرهما، في غيرهما وليس فيها حديث حسن، أو صحيح، بل كلها ضعيفة موضوعة، أو منكرة لا أصل لها؛ قال الحافظ ابن حجر: أكثر متون هذه الأحاديث موضوعة، انتهى.
فظهر بهذا أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وأهل الحديث، ومالك إمام دار الهجرة، والجويني، والقاضي عياض ومَنْ تبعه من المحققين: من تضعيفها، وردِّها، وعدم قبولها، هو الصواب البحتُ، والحق الصرفُ الذي لا مَحيصَ عنه، وعلى فرض حسنها أو صحتها، لا دلالة لها على السفر للزيارة، بل على الزيارة فقط، وليس النزاع في نفس زيارة القبور، بل في السفر إليها، وشد الرحال لها، وهو مسألة غير هذه المسألة.
قال في "الفتح": وأصح ما ورد في ذلك: ما رواه أحمد، وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعاً: "ما من أحد يسلم عليّ، إلا ردَّ الله عليّ روحي حتى أردَّ عليه