السلام"، وبهذا الحديث صدر البيهقي الباب، ولكن ليس فيه ما يدل على اعتبار كون المسلِّم عليه على قبره، بل ظاهره أعمُّ من ذلك، انتهى.
وقد رُويت زيارته - صلى الله عليه وسلم - عن جماعة من الصحابة، منهم: بلال عند ابن عساكر، وابن عمر عند مالك في "الموطأ"، وأبو أيوب عند أحمد، وأنس ذكره عياض في "الشفا"، وعمر عند البزار، وعلي عند الدارقطني، وغير هؤلاء، ولكنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحال لذلك إلا عن بلال؛ لأنه روى عنه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بداريّا يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال؟! أمالك أن تزورني؟ " روى ذلك ابن عساكر، ولكن هذا الأثر ليس بصحيح عنه، ولو كان صحيحاً عنه، لم يكن فيه دليل على محل النزاع، ولا يكون المنام حجة شرعية، وقول القائل: سنده جيد، خطأ منه كما بينه في "الصارم" بياناً كافياً، وهو أثر غريب منكر، وإسناده مجهول، وفيه انقطاع بل بعض ألفاظ الخبر يشهد ببطلانه عنه.
وثبت عن ابن عمر: أنه كان إذا قدم من سفر، أتى قبرَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسلم عليه وعلى أبي بكر وعمر، وليس فيه شد رحال، ولا إعمال مطي، ومع هذا قال أبو عثمان العمري: ما نعلم أحداً من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك إلا ابن عمر، هكذا ذكر عبد الرزاق في "مصنفه".
واستدل القائلون بالوجوب بحديث:"من حج ولم يزرني، فقد جفاني"، رواه ابن عدي في "الكامل"، وله ألفاظ متقاربة، قالوا: والجفاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - محرم، فتجب الزيارة لئلا يقع في المحرم، وأجاب عنه الجمهور: بأن الجفاء يقال على من ترك المندوب؛ كما في ترك البر والصلة، وعلى غِلَظ الطبع؛ كما في حديث:"من بدا فقد جفا"، وأيضاً الحديث على انفراده مما لا تقوم به الحجة، وقد تقدم جرحه.
واستدلوا رابعاً بالإجماع، وقالوا: قد حكى القاضي عياض: أن العلماء مجمعون على أنه يستحب للرجال زيارة القبور، بل قال بعض الظاهرية بوجوبها، وممن حكاه النووي.
والجواب عن ذلك بوجوهٍ ذكرها في "الصارم"، حاصلها: أن المانع لم