للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا كان السلف يُكثرون الصلاةَ والسلامَ عليه - صلى الله عليه وسلم - في كل مكان وزمان، ولم يكونوا يجتمعون عند قبره، لا لقراءة وإيقاد شمع وإطعام وإسقاء، وإنشاد قصائد، ولا نحو ذلك، بل هذا من البدع، وإنما كانوا يفعلون في مسجده ما هو المشروع في سائر المساجد من الصلاة والقراءة والذكر والدعاء، والاعتكاف وتعليم القرآن والعلم وتعلمه، ونحو ذلك.

وقد علموا أن له - صلى الله عليه وسلم - مثل أجر كلِّ عمل صالح تعملُه أمته؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدى، فله من الأجر مثلُ أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً"، وهو الذي دعا أمته إلى كل خير، فكل خير يعمله أحد من الأمة، فله أجره، فلم يكن يهدى إليه ثواب صلاة أو صدقة أو قراءة من أحد، وكل من كان له أطوع وأتبع، كان أولى الناس به في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: ١٠٨] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليّي اللهُ وصالحُ المؤمنين"، وهو أولى بكل مؤمن من نفسه، وهو الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، فالحلال ما أحله الله تعالى، والحرامُ ما حرمه، والدين ما شرعه، واللهُ هو المعبود المسؤول المستعاذُ به الذي يُخاف ويُرجى منه ويُتوكل عليه.

قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]، وإنما الخشية والتقوى لله وحده، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: ٥٣]، فأضاف الإيتاء إلى الله والرسول، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، فليس لأحد أن يأخذ إلا ما أباح له الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان الله آتاه ذلك من جهة القدرة والملك، فإنه يؤتى الملكَ لمن يشاء، وينزع الملك ممن يشاء.

ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الاعتدال من الركوع وبعد السلام من الصلاة: "اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا معطي لما منعتَ، ولا رادَّ لما قضيتَ، ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ"؛ أي: من آتيته جَدّاً، وهو: البخت والملك، فإنه لا ينجيه منك، وإنما ينجيه الإيمان والتقوى.

<<  <   >  >>