للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعدما فرغنا عن السعي بين الصفا والمروة، رأينا أن نتم الليل بجوار الكعبة، فجاورناها إلى الفجر بالتهجد والدعاء والاستغفار إلى الإسفار، وصلينا الصبح مع أول جماعة شافعية، ثم رجعنا إلى المنزل، وحلقنا الرأس، ولبسنا المخيط، وحللنا الإحرام.

ومكثنا بمكة منتظرين الحج؛ لأن زمان الرحلة إلى "المدينة" قد مضى بتأخير المركب عن الوصول، ولولا ذلك، لقدمنا الرحيل إلى المسجد النبوي، وسعدنا بالسلام على القبر المطهر المنور الأحمدي، ولم نترك الاشتغال بالعلم في هذه الفرصة القليلة؛ أعني أواخر ذي القعدة، بل حصلنا فيها بعض الكتب والفوائد.

ولما كان يوم التاسع والعشرين من الشهر المذكور، شهد رجال عند قاضي "مكة" برؤية هلال ذي الحجة، واستقر يوم الثلاثين منه أول يوم من ذي الحجة، ولم ير أهل "مكة" وغيرهم من المسافرين الهلالَ إذ ذاك، ولكن اتبع الناس القاضي فيما هناك، فأحرمتُ يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة، وتوجهت إلى منى، وبلغت المنى، وكنت ماشياً، ثم ركبت منها إلى عرفة، وفرغت من أعمال الحج على الترتيب المذكور في هذا المنسك، وعلى الوجه المأثور بالسنة الصحيحة.

وقرأت: "الحزب الأعظم" لعلي القاري كلَّه قبل الوقوف بعرفة، ثم وقفت بها، ولم آلُ جهداً في الدعاء والاستغفار إلى الغروب، والتضرع والابتهال إلى علام الغيوب، والمأمول من الله القبول، ثم أفضت منها إلى مزدلفة، ومنها إلى منى، وأديت بقية الأعمال، وأتيت بها في أحسن الأحوال، ومن غاية الشغف بعلوم السنة لم أترك كتابة العلم بعرفة ومنى في أيام إقامتها، لكن في غير أوقات المناسك.

ولما رجعت يوم الثالث عشر إلى مكة لم أجد قافلة تذهب إلى "المدينة"، فأقمت منتظراً للرفقة.

وشددت الرحل يوم الخامس عشر من شهر صفر سنة ست وثمانين ومئتين وألف الهجرية من "مكة المكرمة" إلى "المدينة المنورة"، ووصلتها في عشرين

<<  <   >  >>