للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بفضله كيفما اتفق بعد اللتيا والتي إلى المنزل المقصود، ورفعوا مرساة السفينة صبحَ تلك الليلة الهائلة إلى "جدة"، وألفوا الريح موافقة، فطوى المركب الطريق الباقية في يوم وليلة، ووصل إلى ساحل "جدة" حين صلاة الظهر من يوم الأحد تاسع ذي القعدة، والحمد لله على ذلك حمداً كثيراً.

والذي حصل لنا من مسرة القلب وإشراق الوجه والحبور إذ ذاك لا يعلم حقائقها إلا العليم بذات الصدور، وكيف؟ فقد ظهرت صورةُ المراد بعد شهرين غبَّ اليأس، وكنا نقول: يا رب الناس! أقمْ سفينتنا على "جدة" كما استوت سفينة نوح -عليه السلام- على الجودي، فليس ذلك بعزيز على فضلك المجدي.

وحين نزلت بجدة أقصت بها ثلاثة أيام للاستراحة من تعب السفر واستكراء الجمال لحمل الأثقال.

ووجدت بجدة: الماكسين من جهة الترك ظالمين على الناس بأخذ أموالهم بالباطل.

ثم يوم الربوع ثاني عشر ذي القعدة ركبنا من "جدة" إلى حدة بعد صلاة المغرب، ومن حدة إلى كعبة المقصود، وعتبة الجود، بعد جمع صلاة الظهر والعصر، ودخلنا البلد الأمين بعد نصف الليل مع السيد أبي بكر المطوِّف، ونزلنا عن الجمال، ومشينا على الأقدام، وتركنا الأحمال والأثقال مع الخدام ولم نعرج على شيء، وقصدنا المسجد الحرام، ودخلنا "باب السلام"، وأدينا أعمال العمرة من الطواف والسعي والحلق على الترتيب.

وتيسر لنا -بحمده تعالى- ما كنا نبغي من تقبيل الحجر، واستلام الركن في كل شوط بخلو المطاف والمسعى وغيرهما من كل مقيم وغريب.

ومن أول نظرة وقعت إلى جمال "الكعبة المكرمة" ذهلنا عن مصائب السفر ومشاقه كلها، كأنما لم نُشَكْ بشوكة في الطريق، وهكذا شأن كل مشوق وصديق، كيف والكعبة الزهراء -زادها الله ضياء وسناء- ياقوته كحلية تجلو بصائر أعين الصلحاء، مجلوة للناظرين في حلة من الكرامة سوداء.

<<  <   >  >>