والمعتكفة الحائض: تُنهى عن اللبث في المسجد مع الحيض، وإن كانت تلبث في المسجد وهي محدثة، ولم ير حماد ومنصور بأساً في طواف البيت وهو غير متوضىء، واختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الطهارة فيه، ووجوبها، كما هو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، لكن لا يختلف مذهب أبي حنيفة أنها ليست بشرط، ومن كان به نجاسة ولا يمكن إزالتها؛ كالاستحاضة، ومَنْ به سلس البول، فإنه يطوف، ولا شيء عليه باتفاق الأئمة، وكذلك الحائض إذا لم يمكنها طواف الفرض، إلا حائضاً بحيث لا يمكنها التأخر بمكة، جاز، وفي أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف: إذا طاف الحائض، والجنب، أو المحدث، أو حامل النجاسة مطلقاً، أجزأه الطواف، وعليه دم، إما شاة، وإما بدنة مع الحيض والجنابة، وشاة مع الحدث الأصغر، ومنع الحائض من الطواف قد يُعلل بأنه يشبه الصلاة، وقد يُعلل بأنها ممنوعة من الحدث كما تمنع من الاعتكاف، كما قال -عز وجل- لإبراهيم -عليه السلام-: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج: ٢٦]، فأمر بتطهيره لهذه العبادات، فمنعت من دخوله.
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجب للطواف؛ ما يجب للصلاة من تحريم وتحليل وقراءة وغير ذلك، ولا يبطله الأكل والشرب والكلام وغيرُ ذلك، ولهذا كان يقتضي تعليل مَنْ منعَ الحائضَ لحرمة المسجد: أنه لا يرى الطهارة شرطاً، بل مقتضى قوله أنه يجوز لها دخول المسجد عند الحاجة، وقد أمر الله تعالى بتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود، والعاكف فيه يُشترط له الطهارة من الحدث الأصغر باتفاق المسلمين، ولو اضطرت العاكفة الحائض إلى لبثها فيه للحاجة، جاز ذلك، وأما الركَّع السجود: فهم المصلون، والطهارة شرط للصلاة باتفاقهم، والحائض لا تصلي، لا قضاء، ولا أداء، بقي الطائف، هل يلتحق بالعاكف، أو بالمصلي، أو يكون قسماً ثالثاً بينهما؟ هذا محل نزاع، وقولهم: الطواف بالبيت صلاة، لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل ثبت عن ابن عباس، وإن روي مرفوعاً.