محرماً بالحج وحده، ودخل مكة قبل الوقوف، وإن قدم محرماً بالعمرة وحدها، نوى بطوافه طواف العمرة باتفاقهم.
وإن قدم محرماً بالحج والعمرة، ودخل مكة قبل الوقوف، نوى بطوافه طواف القدوم عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة. وعند الحنفية: ينوي بأول طوافه طواف العمرة، فلو نوى به طواف القدوم، انصرف إلى العمرة، ونيته لغو، ثم يشرع في الطواف، فيجعل البيت عن يساره، ويمشي تلقاء وجهه خارجاً بجميع بدنه عن الشاذروان والحِجْر، وزمزم عن يمينه حتى ينتهي إلى الحجر الأسود، فإذا طاف كذلك سبع مرات، أجزأه الطواف، باتفاق الأربعة، وقد ذهب إلى أن هذه الكيفية شرطٌ لصحة الطواف الأكثرُ، وقالوا: لو عكس، لم يجز. قال في "البحر": ولا خلاف إلا عن محمد بن داود الأصفهاني، وأنكروا عليه، وهموا بقتله، انتهى.
وقد استفاض عن الصحابة: أن أول شيء كان يبدؤون به: الطوافُ بالبيت، ثم لا يحلون رواه الشيخان، واختلف في وجوبه، فذهب مالك، وأبو ثور، وبعض أصحاب الشافعي: إلى أنه فرض؛ لقوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٢٩]، أو لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم"، وفعله، وقال أبو حنيفة: إنه سنة، وقال الشافعي: إنه كتحية المسجد؛ لأنه ليس فيه إلا فعلُه - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يدل على الوجوب، وأما الاستدلال على الوجوب بالآية، فقال شارح "البحر": إنها لا تدل على طواف القدوم؛ لأنها في طواف الزيارة إجماعاً. والحق الوجوب؛ لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - مبين لمجمَل واجبٍ، هو قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران: ٩٧] وقوله: "خذوا عني مناسككم" وقوله: "حجوا كما رأيتموني أحج"، وهذا الدليل يستلزم وجوبَ كلِّ فعل فعلَه - صلى الله عليه وسلم -، إلا ما خصه دليل، فمن ادعى عدمَ وجوب شيء من أفعاله في الحج، فعليه الدليل على ذلك، وهذه كلية، فعليك بملاحظتها في جميع الأبحاث التي ستمر بك.
قال الشوكاني: لا يخفاك أنّ الحكم على بعض أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الحج