والسنةُ: أن يبيت الحاج بمنى، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، باتفاق الأربعة، والسنة: أن يمكث بمنى حتى تطلع الشمس، باتفاق الأربعة، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى ابن المنذر من طريق ابن عباس، قال: إذا زاغت الشمس، فليرحْ إلى مِنى، قال ابن المنذر: لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئاً، ثم روى عن عائشة: أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه، وقال أيضاً: الخروج إلى منى في كل وقت مباح، إلا أن الحسنَ وعطاءً قالا: لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين، وكرهه مالك، وكره الإقامةَ بمكة يوم التروية حتى يمسي، إلا إن أدركه وقتُ الجمعة، فعليه أن يصليها قبل أن يخرج.
وبالجملة: إذا طلعت الشمس على ثبير، وهو جبل هناك، سار متوجهاً إلى عرفة، مكثراً من التلبية والذكر والدعاء، وإن شاء يقول: اللهمَّ اجعلْها خيرَ غدوةٍ غدوتُها، وأقربَها إلى رضوانك، وأبعدها من سخطك، اللهمَّ إليك توجهتُ، ووجْهَكَ الكريمَ أردتُ، فاجعلْ حجِّي مبروراً، وسعيي مشكوراً، وذنبي مغفوراً يا أرحم الراحمين.
فإذا قرب من عرفات، فيستحب نزوله بالموضع المعروف بنَمِرَةَ، كما قال الشافعية، والمالكية، والحنابلة، ويقيم بها إلى الزوال كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي قرية بشرقي عرفات، وهي خرابٌ اليومَ، وبها ينزل الأمراء، ويضرب بها الإمامُ الخيمة، ومن كانت له خيمة، ضربها اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم يسير منها [إلى] بطن الوادي، وهو موضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي صلى فيه الظهر والعصر وخطبَ، وهو في حدود عرفة، ويُستحب أن يذهب الإمامُ والناس إلى المسجد المعروف بمسجد إبراهيم؛ حيث صلى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكُ هناك مسجدٌ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما بُني في أول دولة العباسيين، فيصلي هناك الظهر والعصر بعد خطبتين عند الشافعية، والحنفية، والمالكية، وبعد خطبة فردة عند الحنابلة، ويخطب بهم الإمامُ على بعيره كما خطبَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خطبةً بليغة