للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغنيٌّ عن الإِيضاح أن السَّكاكيَّ أفادَ كثيرًا في تبويبِه وتقعيدِه وتقسيمِه من الفَخْر الرَّازي في كتاب: "نهاية الإيجاز في دِراية الإعْجَاز"، بل إنّه كما يقولُ محقّقُ نهاية الإيجاز الدّكتور بَكري شَيْخ أمين (١): "كادَ أَنْ يكون ظلًّا للرَّازيّ وصدًى لصوته". وفي نظري أنَّه لم يتميَّز عنه كثيرًا إِلَّا بما امتنّ الله به عليه من دِقَّةِ التَّنظيمِ وضبطِ التَّقسيم وقوَّةِ الأَدلَّة.

ومع سبقِ الرَّازي إلى التّنظيم والتَّبويب وتشْعيبِ المسائل وتَفْريعها وفق أسسٍ عقليّةٍ منطقِيَّةِ إلّا أنّ أغلبَ الدَّارسين المحدثين يغضّون الطّرف عنه، ويتَجَاهلون سَبْقه، ولا يلوونَ على كتابِه كما يَلْوون على كتابِ السَّكاكيِّ الَّذي نُسب إليه السَّبق ورَكَّز عليه الدَّارسون مُتَعرّضين لمنهجِه -في الغالب الأَعمَّ- بالذَّمِّ والتَّسفيه؛ رامينه بالانْحرافِ والجمودِ وعدمِ الفَهم؛ ومنهم الدُّكتور عبد العزيز عتيق (٢) يقول: "ومن هنا كانت خُطُورة منهاج السَّكاكيِّ الَّذي يُعدُّ في تاريخ البلاغةِ بداية طور الجُمود في دراستها لقد خُيِّلَ إِليه أنَّه بمنهاجِه المنظّم المتقن يُصْلح من شأنِ البلاغةِ، فإذا به من حَيثُ لا يَدْري يُفْسدها ويُسئُ إليها".

والحقّ أنَّ السَّكاكيَّ -رحمه الله- حُمِّل ما لا يَحْتمل؛ إذ طُلبَ منه أَنْ يواكب بلاغة عبد القاهر الجرجاني -رحمه الله- وأن يأتي بما يحاكي كتابيه على الأقل إذ لم يستطع أن يتفوّقّ عليه. ومن هذه الجهة انهالت السّهام عليه. ولو أُمعن النّظر في صنيع السَّكاكيّ وغايته منه لما


(١) نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز "قسم الدّراسة" ص (٥٦).
(٢) علم المعاني ص (٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>