للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُمّل كلّ ذلك. ولأُحيل ذمّه مدحًا. فهو لم يؤلّف كتابه ليغيّر مسار البلاغة العربيّة ويلبسها ثوب الجمود -كما زعموا- ولم يكن هذا مقصدًا له على بال، وغاية ما هدف إليه هو اختصار كلام الإمام عبد القاهر وتصفيته من التّكرار وتقريبه لطلبة العلم بوضع الحدود والرّسوم التي تضبط مباحثه وتفصّل مسائله. ليستقيم لطالب البلاغة الطّريق وتتّضح أمامه الصّورة؛ متى ما خاض غمار البيان وأدلج في بحور تذوّق الكلام، ولعلّ الَّذي حداه إلى ذلك ضعف الذّوق العربيّ في العصور المتأخّرة فأراد بمنهجه المنطقيّ الإعانة على فهم البلاغة.

وأجدني مع الأستاذ الدكتور فضل حسن عبّاس: حين يقول (١): "ورحم الله السَّكاكيّ ونرجو أن يؤجر على هذه الحملات الَّتي توجّه إليه؛ فلقد حمّلوه مسؤولية جمود البلاغة ووقوفها عند حال لا تحسد عليه ....

صحيح أَن السَّكاكيَّ سلب بلاغة عبد القاهر هذه السّمات الأدبيّة، وهذا الأسلوب الَّذي يستند إلى الذّوق والقاعدة معًا؛ ولكن ينبغي أن لا ننسى، ولا يجوز أن ننسى أنّ البلاغة كانت بحاجة إلى من يحدّد لها مصطلحاتها تحديدًا تامًّا، ومن يفصِّل مسائلها، ويَفْصل بعضها عن بعض، وتلك حسنة لا ينبغي أن تغفل، ولكن الكثيرين -سامحهم الله- لا يذكرون إلّا السّلبيّات".

أخلص من هذا كلّه إلى القول بأنّ انضواء كتاب "تحقيق الفوائد" تحت أروقة المدرسة السَّكاكيّة لا يغمط شيئًا من شأنه ولا يحط قدرًا


(١) البلاغة المفترى عليها بين الأصالة والتَّبعيَّة: (١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>