للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حينئذٍ يجوزُ أن يُصارَ إلى المضارع؛ نحو قوله -تعالى-: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} (١) إدخالًا له في سلكِ المقطوع به؛ لصُدُوره عمَّن لا يكذبُ ولا خلافَ (٢) في إخباره، وتنزيلًا له منزلة الماضي المعلوم، و {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} (٣) أي: يستمرّ امتناعُه؛ أي: إنَّما قال: (يُطعُكُمْ) ولم يقل: (أطاعكم)، لتصويرِ أن إطاعتَه مستمرُّ الامتناع فيما يمضي وقتًا فوقتًا، إذ المعنى: لو استمرّ إطاعته وقتًا بعد وقت لعنتّم؛ لكن يمتنعُ عنتكُم لاستمرارِ امتناعه عن إطاعتكم؛ لا لامتناع استمراره عن إطاعتكم؛ كما ظنَّ بعضٌ (٤)؛ فإنَّه بعضُ الظّنّ (٥).


(١) سورة السّجدة؛ من الآية: ١٢.
(٢) في أ: "أي: لا خلاف".
(٣) سورة الحجرات؛ من الآية: ٧.
(٤) يعني بقوله: "كما ظنَّ بعض" ما يشعر به قول الزّمخشري في كشّافه؛ (٤/ ٣٦٤): "فإن قلت: فلم قيل {يُطِيعُكُمْ} دون (أطاعكم)؛ قلت: للدّلالة على أنَّه كان في إرادتهم استمرار عمله على ما يستصوبونَه. وأنّه كلَّما عنّ لهم رأى في أمر كان معمولًا عليه، بدليل قوله: {فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ} " من أنَّ المراد به امتناع الاستمرار عن الإطاعة.
(٥) يعني بقوله: "فإنَّه بعض الظَّنَ" موقفه من القول المظون وهو أنّ المراد: امتناع العنت لامتناع الاستمرار عن الطاعة؛ بأن له وجهًا من الصَّواب وموقعًا من القبول.
لا الصَّواب المطلق، والقبول التّام.
ورأيُ الكرمانيّ هذا امتدادٌ لرأي السَّكَّاكيِّ وعليه سار بعض البلاغيّين من أمثال بدر الدين بن مالك في المصباح: (٥٧)، والطّيبيّ في التّبيان: (٢٧٤). =

<<  <  ج: ص:  >  >>