المصدر، والمصدر كالفعل، وكان الفعل لا همزة فيه إذا قلت "رأيت"، صارت الهمزة الثانية كأنها غير لازمة، وإذا لم تكن لازمة لم يلزم بدل الأولى كما لزم في "ذوائب".
فإن قلت: فهلا لم يلزم البدل في "ذوائب" لأنه في واحدها غير ثابت، وفي تحقيره أيضاً غير لازم، فكما لم يبدل في "رثاء" حيث لم يكن لازماً في الفعل، فكذلك لا يبدل في الجمع، واجعل الواحد من الجمع، والتكسير من التصغير، كالمصدر من الفعل؟
قيل: ليس الواحد من الجمع كالمصدر من الفعل؛ ألا ترى أن ما يعتل في الواحد يصح في الجمع نحو "معيشة ومعايش" و "مقامة ومقاوم"، فالمصدر مع الفعل ليس كالواحد من الجمع؛ لأن المصدر يعل إعلال الفعل، فصار بذلك بمنزلة، والجمع لا يعل لإعلال واحده، بل يخالف فيهما، فيصحح الجمع، فحكماهما مختلفان؛ ألا ترى أن المصدر يتبع الفعل في الإعلال، ولا يتبع الجمع الواحد، وكذلك التصغير مع الواحد هو كالتكسير، وكذلك التصغير مع التكسير هو بناء آخر ومعنىً غيره؛ لأن فيه مثل "عشيشية" و"أبينون" و "لييلية" و "أصيلال" و "مغيربان" ونحو ذلك، فلهذا صحح في "رثاء" الهمز، ولم يقلب كما قلب في "ذوائب". وإنما لم يعتل في التصحيح في "رثاء" والإعلال في "ذوائب" بأن "ذوائب" جمع و"رثاء" واحد؛ لأن ذلك لا يستقيم على قول الخليل وسيبويه، وذلك أنهما يجعلان هذا الضرب من الجمع المكسر في حكم الآحاد، ومن ثم قالوا في مثل "برد" من البياض": إنه "بيض" مثل "فعل" الذي هو جمع "أفعل"، والذي هو جمع "فعول"، فخفف.