الثَّالِثُ الْقَصْدُ وَشَرْطُهُ تَعَلُّقُهُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَهُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَرَادَ أَنْ يَلْفِظَ بِأَحْرُفِ الطَّلَاقِ فَلَفَظَ بِغَيْرِهَا غَلَطًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ كُلِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا بِمَا يَلْفِظُ طَالِقٌ فَيَلْزَمُهُ، فَسَبْقُ اللِّسَانِ لَغْوٌ إنْ ثَبَتَ وَإِلَّا فَفِي الْفُتْيَا فَقَطْ (أَوْ لُقِّنَ بِلَا فَهْمٍ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ لُقِّنَ الْأَعْجَمِيُّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ (أَوْ هَذَى لِمَرَضٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا طَلَاقُ الْمُبَرْسَمِ فِي مَرَضِهِ لَا يَلْزَمُهُ (أَوْ قَالَ لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ وَقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٍ الْتِفَافُ لِسَانِهِ) ابْنُ شَاسٍ: قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ لَغْوٌ وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا فَقَالَ زَلَّ لِسَانِي فَكَذَلِكَ، ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا مُطَلَّقَةُ وَلَمْ يُرِدْ طَلَاقًا إنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا فِي كَثْرَةِ الْكَلَامِ كَالْمُطَلَّقَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا لَوْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ لَا الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ (أَوْ قَالَ يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَطَلَّقَهَا فَالْمَدْعُوَّةُ وَطَلُقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ) ابْنُ شَاسٍ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ لِلطَّلَاقِ الْقَصْدُ وَيُتَوَهَّمُ اخْتِلَالُهُ بِسَبْقِ اللِّسَانِ وَبِالْهَزْلِ وَبِالْإِكْرَاهِ وَبِزَوَالِ الْعَقْلِ وَبِالْجَهْلِ كَمَا إذَا قَالَ يَا عَمْرَةُ فَأَجَابَتْهُ حَفْصَةُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ حَسِبْتُهَا عَمْرَةُ طَلُقَتْ عَمْرَةُ وَفِي طَلَاقِ حَفْصَةَ خِلَافُ ابْنِ عَرَفَةَ: حَاصِلُهُ لُزُومُ طَلَاقِ الْمَنْوِيَّةِ وَفِي طَلَاقِ الْمُخَاطَبَةِ خِلَافٌ وَهَذَا خَامِسُ الْأَقْوَالِ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْخِلَافُ فِي هَذَا قَائِمٌ مِنْ مَسْأَلَةِ نَاصِحٍ وَمَرْزُوقٍ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ رَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ (أَوْ أُكْرِهَ) ابْنُ عَرَفَةَ: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَسَائِرُ فِعْلِهِ فِي نَفْسِهِ لَغْوٌ مِنْ ابْنِ بَطَّالٍ: «وَرُجُوعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَعًا فَقَالَ زَمِّلُونِي وَلَمْ يُخْبِرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُسْأَلَ الْفَازِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ مَا دَامَ فِي حَالِ فَزَعِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ إنَّ الْمَذْعُورَ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا إقْرَارٌ فِي حَالِ فَزَعِهِ.
وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ " قَوْلُ مَالِكٍ الْمُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ لَيْسَ يَمِينُهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ فَإِنَّهُ إنْ أَكَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حِنْثٌ. اللَّخْمِيِّ: مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ فِي الْمُكْرَهِ أَبْيَنُ، فَإِنْ نَوَى الْمُكْرَهُ الطَّلَاقَ، فَإِنْ كَانَ يَجْهَلُ إخْرَاجَ النِّيَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا فِي الْعِتْقِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ حَلَفَ أَوْ دَفْعُ مُكْسٍ " وَالْإِكْرَاهُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا: أَنْ يُكْرَهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَمِنْهَا أَنْ يُكْرَهَ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ وَأَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ يَفْعَلُهُ طَوْعًا، وَمِنْهَا أَنْ يُكْرَهَ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ فَلَا يَفْعَلُ، وَمِنْهَا أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَأُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، وَيَخْتَلِفُ إذَا حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ.
وَانْظُرْ إذَا بَدَرَ بِالْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا لِيَذُبَّ عَلَى مَا خَافَ عَلَيْهِ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَلَّفَ وَكَانَتْ يَمِينُهُ خَوْفًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute