للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَاتِهِ لِحَدِيثِ «إنَّ الشَّيْطَانَ يُفْشِي بَيْنَ أَلْيَتَيْ أَحَدِكُمْ فَلَا يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

مَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ كَأَنَّ الشَّكَّ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، وَهُوَ فَرْقٌ بَيِّنٌ وَأَظْهَرُ مِمَّا رَوَى سَحْنُونَ عَنْ أَشْهَبَ انْتَهَى.

وَيَظْهَرُ مِنْ الْإِكْمَالِ أَنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ حَبِيبٍ غَيْرُ طَرِيقَةِ غَيْرِهِ اُنْظُرْ فِي الْإِكْمَالِ قَبْلَ بَابِ التَّيَمُّمِ، وَانْظُرْ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعَ مَا يَقْتَضِيهِ تَقْرِيرُ ابْنِ يُونُسَ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى» قَالَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ عَظِيمٌ يَطَّرِدُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزِيلُهُ شَكٌّ، وَأَنَّ الشَّيْءَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ الْمَعْرُوفِ حَتَّى تُزِيلَهُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ مَعَهُ.

وَالْأَصْلُ فِي الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَلَا يُبْرِئُهُ إلَّا يَقِينٌ مِثْلُهُ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُهُمْ فَظَنَّ أَنَّ الشَّكَّ أَوْجَبَ الْإِتْيَانَ بِالرَّكْعَةِ وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ الْيَقِينُ أَنَّهَا أَرْبَعٌ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامَهَا يُرَجِّحُهُ حَدِيثُ «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» فَلَمْ يَنْقُلْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَصْلِ طَهَارَتِهِ الْمُتَيَقَّنَةِ بِشَكٍّ عَرَضَ لَهُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الْحَدَثَ وَإِلَّا فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى هَذَا غَيْرُهُ وَخَالَفَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَقَالَ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيِّ، وَأَنَّهُ عَلَى الْأَصْلِ، حَدَثًا كَانَ أَوْ طَهَارَةً.

وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ أَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ شَكَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً وَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَحَكَى ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنْ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: الْوُضُوءُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ وَاحْتِيَاطٌ وَقَالَ فِي مُوَطَّئِهِ فِيمَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا وَقَدْ بَاتَ فِيهِ لَيَالِيَ وَأَيَّامًا: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ صَلَاةً وَلَا يَغْتَسِلُ إلَّا مِنْ آخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَهُ فِيمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ انْتَهَى وَعِبَارَةُ الْبَاجِيِّ: مَا صَلَّى قَبْلَ تِلْكَ النَّوْمَةِ هُوَ فِيهَا شَاكٌّ، وَهَذَا الشَّكُّ إنَّمَا طَرَأَ بَعْدَ إكْمَالِ الصَّلَاةِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ بَعْدَ طَهَارَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَكٌّ طَرَأَ بَعْدَ تَيَقُّنِ سَلَامَةِ الْعِبَادَةِ وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّكَّ يُؤَثِّرُ فَيُعِيدُ مِنْ أَوَّلِ نَوْمِهِ.

وَفِي التَّمْهِيدِ: نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ إطْرَاحًا لِأَعْمَالِ الشَّكِّ وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ الْفِقْهِ أَنْ لَا يَدَعَ الْإِنْسَانُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَالِ الْمُتَيَقَّنَةِ إلَّا بِيَقِينٍ فِي انْتِقَالِهَا، وَلِشِهَابِ الدِّينِ: فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ بَيْنَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَالشَّكِّ فِي الشَّرْطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>