مَا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ مَرَضِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ هَاهُنَا إذَا مَرِضَ انْفَسَخَ مِنْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْأَمَدِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى خِيَاطَةِ الْأَثْوَابِ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا فَلَا يَسْتَأْجِرُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا فِيمَا قَلَّ، لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ فِي الْمُقَاطَعَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ وَيَدْخُلُهُ مَا خَشِيَ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ إنْ مَرِضَ قَضَى فِي وَقْتٍ آخَرَ انْتَهَى.
وَسَلَّمَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا كُلَّهُ وَلِابْنِ يُونُسَ. قِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِي أَنْ أُكْرِيَ مِنْهُ دَارِهِ بِدَيْنٍ لِي عَلَيْهِ أَوْ أُكْرِيَ مِنْهُ عَبْدَهُ، فَهَلْ أَسْتَعْمِلُهُ هُوَ بِهِ عَمَلًا؟ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْعَمَلُ الْيَسِيرُ وَالدَّيْنُ لَمْ يَحِلَّ فَجَائِزٌ، وَإِنْ حَلَّ فَلَا يَجُوزُ فِي يَسِيرٍ وَلَا كَثِيرٍ.
قَالَ: وَلَا تَبْتَعْ مِنْهُ بِدَيْنِك سِلْعَةً غَائِبَةً أَوْ سِلْعَةً بِخِيَارٍ. انْتَهَى مِنْ رَابِعِ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ الْآجَالِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ فِي الْخِيَاطَةِ شَهْرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ فِي قِصَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ يَوْمًا وَنَحْوَهُ.
قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمْ يَجْعَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ أَجَلًا. قَالَ: فَيَجُوزُ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي خِدْمَةِ مُعَيَّنٍ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ، وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَقَدْ رَشَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ: فَإِذَا كَانَ لِإِنْسَانٍ قِبَلَ آخَرَ دَيْنٌ فَقَالَ لَهُ: اُحْرُثْ مَعِي غَدًا وَاقْتَطِعْ لَك مِنْ دَيْنِك أَوْ اخْدِمْ مَعِي غَدًا فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ.
وَقَدْ رَشَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَهُوَ أَيْضًا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَجَلٍ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ لَمْ يَحِلَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ اللَّخْمِيِّ وَسَلَّمَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. انْتَهَى مَأْخَذُ سَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَانَ أَيْضًا يَقُولُ: إذَا خَدَمَ مَعَك مَنْ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تُقَاصَّهُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ.
قَالَ: وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ لِظُهُورِهِ عِنْدَهُ إذْ مَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ يَخْفَى عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ أَجَازَ مَالِكٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute