فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ تَبِيعَ دَيْنَك مِنْ غَيْرِ غَرِيمِك بِمَنَافِعِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ بِمَا ذُكِرَ مَعَ ذَلِكَ.
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا فَمَاتَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِفَلَاةٍ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ قَدْ نَقَدَ الْكِرَاءَ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ السَّعَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَخْدِمَهُ بِدَيْنٍ لَك عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا كَالدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ، وَتَعَقَّبَ هَذَا الْقَبَّابُ إلَّا أَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ قَدْ يُرَشِّحُهُ.
وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: يَجُوزُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ أَنْ تُعْطِيَ غَرِيمَك ثَوْبًا يَخِيطُهُ لَك مِنْ دَيْنِك عَلَيْهِ وَشِبْهَ ذَلِكَ فَإِنْ كَثُرَ الْعَمَلُ لَمْ يَجُزْ انْتَهَى نَصُّهُ.
(وَبَيْعُهُ بِدَيْنٍ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى بِهَذَا بَيْعَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الْغَرِيمِ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إذَا بِعْت الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تُؤَخِّرَ بِالثَّمَنِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ فَقَطْ وَلَا تُؤَخِّرُ الْغَرِيمَ إذَا بِعْته مِنْهُ إلَّا مِثْلَ ذَهَابِهِ إلَى الْبَيْتِ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِيَوْمٍ آخَرَ لِيَأْتِيَ بِالدَّوَابِّ انْتَهَى. فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا أَنَّ فَسْخَ الدَّيْنِ أَضْيَقُ مِنْ بَيْعِهِ.
(وَتَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) اُنْظُرْ إنْ كَانَ يَعْنِي بِهَذَا ابْتِدَاءَ الدَّيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَيْضًا أَخَفُّ فَأَتَى بِالثَّلَاثَةِ عَلَى تَرْتِيبِهَا الَّذِي ذَكَرَهُ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَضْيَقُ صَرْفُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي دَيْنٍ ثُمَّ بِبَيْعِ الدَّيْنِ ثُمَّ ابْتِدَاؤُهُ، وَسَيَأْتِي فِي السَّلَمِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَ لَهُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي طَعَامٍ وَنَقَدْته مِنْهَا خَمْسِينَ وَأُخْرَى بِخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَلَا تَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ النَّقْدِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا.
(وَمُنِعَ بَيْعُ دَيْنِ مَيِّتٍ وَغَائِبٍ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ وَلَا حَاضِرٍ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدِّينُ وَلَا عَلَى مَيِّتٍ وَإِنْ عُلِمَ الَّذِي تَرَكَ، وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يَدْرِي أَيُتِمُّ أَمْ لَا يُتِمُّ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعْنِي دَيْنَك الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ وَأَنَا أَعْلَمُ وُجُوبَهُ لَك عَلَيْهِ فَبَاعَهُ مَعَهُ لَجَازَ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ بَعْدُ كَانَتْ مُصِيبَةً دَخَلَتْ عَلَيْهِ (وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَحَاضِرٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا جَوَازُ بَيْعِ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ الْمِدْيَانِ إنْ كَانَ حَاضِرًا مُقِرًّا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا قَرِيبَ الْغِيبَةِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ مِلْؤُهُ مِنْ عَدَمِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
(وَكَبَيْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute