إلَيْهِ) رُبَّمَا يُفْهَمُ هَذَا مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَالْبَاجِيِّ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفَتْوَى وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِهِ وَيَعْزُوهُ لِلْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ هُوَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا نَقَلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ غَيْرُهُ وَنَصُّهُ: مَا كَانَ مِنْ سِلْعَةٍ لَهَا سُوقٌ فَلَا يَبْتَاعُهَا وَإِنْ مَرَّتْ عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي الْحَضْرَةِ لِقُوتِهِ وَلَا لِتِجَارَتِهِ حَتَّى يَهْبِطَ بِهَا السُّوقَ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ فَلَهُ ذَلِكَ فِيهَا إذَا دَخَلَتْ بُيُوتَ الْحَاضِرَةِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْأَسْوَاقَ وَمِنْ مَنْزِلِهِ خَارِجَ الْحَضْرَةِ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَلِيَشْتَرِ مِمَّا مَرَّ بِهِ لِقُوتِهِ وَلَا يَشْتَرِ لِلتِّجَارَةِ إلَّا فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ.
وَاذَا وَقَعَتْ السِّلْعَةُ مَوْقِعَهَا فِي السُّوقِ ثُمَّ رَدَّهَا صَاحِبُهَا خَرَجَتْ عَنْ التَّلَقِّي وَحَلَّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ شِرَاؤُهَا أَوْ مِنْ دَارِ الْبَائِعِ انْتَهَى.
وَرَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ خَرَجَ قَوْمٌ لِغَزْوٍ أَوْ تَجْرٍ فَلَقُوا سِلَعًا جَازَ شِرَاؤُهُمْ مِنْهَا لِأَكْلِهِمْ لَا لِتَجْرٍ، وَكَذَلِكَ الْقُرَى يَمُرُّونَ بِهِمْ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا اخْتَزَنَ الطَّعَامَ فِي الطَّرِيقِ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ سُوقٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فِيهِ جَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي هَذَا تَفْصِيلٌ. أَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَأْكُلُوهُ أَوْ لِيَبِيعُوهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِاخْتِزَانِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَأَنَّهُ قَدْ أُصِيبَ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِمَّنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ لِشِرَائِهِ فَيَجْرِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَالتُّجَّارُ يَخْرُجُونَ إلَى الْأَجِنَّةِ يَشْتَرُونَ مِنْ ثِمَارِهَا، أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِهِ الْفُتْيَا.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: جُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ كَانَ التَّلَقِّي عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْبُلْدَانِ فِي الْأَمْتِعَةِ وَالسِّلَعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا التَّلَقِّي مَنْ خَرَجَ بِسِلْعَةٍ يُرِيدُ بِهَا السُّوقَ، فَأَمَّا مَنْ قَصَدْته فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ تُتَلَقَّ انْتَهَى.
اُنْظُرْ قَوْلَ أَبِي عُمَرَ " فَأَمَّا مَنْ قَصَدْته " إلَخْ وَقَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الطَّعَامِ الْمُخْتَزَنِ كُلُّ ذَلِكَ يُرَشِّحُ جَوَازَ أَنْ يَذْهَبَ الْإِنْسَانُ إلَى دَارِ آخَرَ يَكْتَرِي مِنْهُ دَابَّتَهُ أَوْ يَكْتَرِيهِ يَخْدُمُ مَعَهُ، وَكُنْت لَمَّا وُلِّيتُ الْخَطَابَةَ بِالْبَيَازِينَ وَجَدْت مَنْ كَانَ قَبْلِي قَدْ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْتَرِيَ دَابَّةً وَلَا خَدَّامًا إلَّا بِالْمَوْقِفِ.
فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَيِّدِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ مَا ذَكَرَ لِي مُدْرِكُ الْعِلْمِ. وَانْظُرْ مَا أَخَذَ أَبُو عُمَرَ مَسْأَلَةُ السِّتَّةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوُهُ لِعِيَاضٍ. وَبَقِيَ هُنَا فُرُوعٌ مِنْهَا الْقَضَاءُ لِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ فِي الشَّرِكَةِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْضُهُمْ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الشَّرِكَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute