للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ أَرْضِ الْمَطَرِ عَشْرَ سِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ، فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَسَدَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَكْرَاهَا سِنِينَ وَقَدْ أَمْكَنَتْ لِلْحَرْثِ جَازَ نَقْدُ حِصَّةِ عَامِهِ هَذَا.

قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَاهَا سَنَةَ قَرُبَ الْحَرْثُ وَحِينَ تَوَقَّعَ الْغَيْثَ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ حَتَّى تُرْوَى وَتُمَكَّنَ مِنْ الْحَرْثِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَيَجُوزُ النَّقْدُ فِي أَرْضِ النِّيلِ قَبْلَ رِيِّهَا لِأَمْنِهَا. قِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ الْمَطَرِ فِيمَا اُخْتُبِرَ مِنْهَا لَا تَخْتَلِفُ، أَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا؟ قَالَ: النِّيلُ أَبْيَنُ شَأْنًا وَأَرْجُو جَوَازَ النَّقْدِ فِيهَا إنْ كَانَتْ هَكَذَا بِخِلَافِ الَّذِي تَخَلَّفَ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ أَوْ ذَاتِ بِئْرٍ قَلَّ مَاؤُهَا وَيُخَافُ أَنْ لَا يَقُومَ بِهَا، فَالنَّقْدُ فِي هَذَا خَطَرٌ لِغَلَبَةِ الْغَرَرِ فَيَصِيرُ النَّقْدُ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا كَالنَّقْدِ فِي الْمُوَاضَعَةِ وَبَيْعِ الْخِيَارِ وَبَيْعِ الْعُهْدَةِ.

(وَجُعْلٍ) إتْيَانُهُ بِهَذَا الْفَرْعِ مَعَ هَذِهِ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّقْدَ فِي الْجُعْلِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ، اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ آجَرْته عَلَى بَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ شَهْرًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ تَرَكَ جَازَ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عَلَى خِيَارٍ وَيَجُوزُ فِيهَا النَّقْدُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَلَا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ عُدَّ تَمَادِيهِ فِي الْعَمَلِ أَخْذًا لِمَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَقَدْ فُسِخَ دَيْنُهُ فِيمَا لَا يَتَعَجَّلُهُ كَمَا لَوْ أَجَّرَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطَوَّعَ لَهُ بِنَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيَصِيرُ إذَا رَضِيَ بَعْدَ الثَّلَاثِ بِالتَّمَادِي عَلَى الْإِجَارَةِ فَسَخَ مَا فِي ذِمَّتِهِ فِيهَا وَهُوَ كَالتَّطَوُّعِ بِالنَّقْدِ فِي الْخِيَارِ فِي السَّلَمِ، وَهَذَا أَبْيَنُ، وَكَذَا أَيْضًا الْفَرْعُ قَبْلَ هَذَا. بَهْرَامَ: ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالنَّقْدِ فِي أَرْضٍ لَمْ يُؤْمَنْ رِيُّهَا جَائِزٌ، وَنَصَّ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى مَنْعِهِ.

(وَإِجَارَةٍ بِجُزْءِ زَرْعٍ) ابْنُ الْهِنْدِيِّ: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَحْرُسُ لَهُ زَرْعًا لَا يَجُوزُ نَقْدُ الْإِجَارَةِ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ، وَيَجُوزُ عَلَى الطَّوْعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ رُبَّمَا تَلِفَ فَتَنْفَسِخُ فِيهِ الْإِجَارَةُ إذْ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْخَلَفُ فَهُوَ إنْ سَلَّمَ كَانَتْ إجَارَةً وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ كَانَتْ سَلَفًا. نَقْلُ الشَّعْبِيِّ هَذَا عَيْنَهُ قَالَ: وَيَدُلُّ هَذَا عَلَى مَا رَوَاهُ أَصْبَغُ فِي حَمَّالِ شَيْءٍ فَصُدِمَ فَانْكَسَرَ مَا عَلَيْهِ فَلَهُ أُجْرَتُهُ بِقَدْرِ مَا حَمَلَ مِنْ الطَّرِيقِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ.

(وَأَجِيرٍ تَأَخَّرَ شَهْرًا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَامِلًا مِنْ الْعُمَّالِ إمَّا نَسَّاجًا وَإِمَّا خَيَّاطًا وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدَيْهِ أَوْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدَيْهِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ أُجْرَةً وَهُوَ يَقُولُ: لَا أَعْمَلُ فِي عَمَلِهِ إلَى شَهْرٍ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فِيمَا يَعْرِفُ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَدِّمَ إلَيْهِ أَجْرَهُ حَتَّى يَبْدَأَ فِي عَمَلِهِ فَلْيُقَدِّمْ إلَيْهِ أَجْرَهُ إنْ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ عَمَلِهِ أَخَذَ مِنْهُ بَقِيَّةَ رَأْسِ مَالِهِ عَلَى حِسَابِ مَا عَمِلَ وَمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مَالِ الْعَامِلِ تَمَامُ ذَلِكَ الْعَمَلِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ أَيَّامًا مُسَمَّاةً أَوْ قَاطَعَهُ مُقَاطَعَةً.

ابْنُ رُشْدٍ: الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَنَسْجِ الْغَزْلِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ لِأَنَّهُ مَتَى تَأَخَّرَا جَمِيعًا كَانَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَوْ تَعَجُّلِهِمَا جَمِيعًا. الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُتَعَيِّنًا فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ، فَيَجُوزُ بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ وَتَأْخِيرِهِ عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْعَمَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>