للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ تَبَرُّعِهِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " لِلْغَرِيمِ " سَيَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ إتْلَافُهُ الْمَالَ قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ.

وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ: أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ الرُّوَاةِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ الَّذِي لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا كُلُّ مَا فَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ وَلَا إقْرَارُهُ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فَإِذَا ضَرَبَ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ.

اللَّخْمِيِّ: مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ إذَا تَبَيَّنَ فَلَسُ غَرِيمِهِمْ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَانْتِزَاعُ مَا فِي يَدَيْهِ، ابْنُ شَاسٍ: وَمِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ خَوْفِ الْحَجْرِ بِوُجُوهِ التَّبَرُّعِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ، وَالْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ.

وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ: مَنْ نَحَلَ بِنْتَه ثُلُثَ مَالِهِ عِنْدَ نِكَاحِهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ مَاتَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ النِّحْلَةِ فَالدَّيْنُ مُبْدَأٌ أَوْ لِلْمَنْحُولِ لَهَا ثُلُثُ مَا يَبْقَى.

وَإِنْ كَانَ بَعْدَ النِّحْلَةِ فَلِلْمَنْحُولِ لَهَا ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَالدَّيْنُ بَعْدَهَا.

وَفِي الْمُفِيدِ مَا نَصُّهُ: مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ هِبَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ، فَإِنْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ وَبِيَدِهِ مَالٌ لَا يَدْرِي أَيَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ أَمْ لَا فَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ انْتَهَى.

وَانْظُرْ هَلْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ إنْ فَرَّقَا فِي عِتْقِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ لَا.

وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَصِيَّةُ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَعِتْقُهُمْ مَرْدُودٌ، وَيُرَشِّحُ هَذَا نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْحَبْسِ فِقْهًا مُسَلَّمًا أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرَقِ ذِمَّةٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ضَمِنَهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ هَذَا ثُمَّ قَالَ: وَلِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَأَظُنُّهُ الصَّائِغَ وَنَقَلَ عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ أَنَّ دُرَّةً جَلِيلَةً خَرَجَتْ مِنْ دَارِ السُّلْطَانِ بِبَغْدَادَ لِبَعْضِ الْأُمَرَاءِ فَوَصَلَتْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ فَاسْتَحْسَنَهَا كُلُّ مَنْ حَضَرَ وَجَعَلَ يُقَبِّلُهَا، وَفِي الْمَجْلِسِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ فَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَقْبِيلِهَا.

فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: أَخْبِرْنِي لِمَ لَمْ تَفْعَلْ؟ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مُرَادَهُ فَقَالَ: هِيَ لِغَيْرِ مَالِكِهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ يَلْزَمُ ضَمَانُهَا مُلْتَقِطَهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إلَى مَالِكِهَا فَلَوْ أَخَذْتُهَا لَضَمِنْتهَا، وَنَحْوُ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ، فَاسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي وَدَلَّ عَلَى فَضْلِ قَائِلِهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فُتْيَا ابْنِ إبْرَاهِيمَ لِلْأَمِيرِ بِالْكَفَّارَةِ بِالصَّوْمِ لِفَقْرِهِ بِاسْتِغْرَاقِ ذِمَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا صَدَرَتْ فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ فِي الْعُمَّالِ الظَّلَمَةِ أَنَّهُ يَضُمُّ مَا وَجَدَ لَهُمْ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَالَ: وَأَمَّا مَا فَاتَ بِبَيْعٍ فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِفَوْتِهِ.

وَعُرِفَ عِيَاضٌ بِعَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَشْهُورِ بِالْوَرَعِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ جُنْدِيٌّ فَرَسَهُ فَرَكِبَهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ إمَّا وَرَعٌ نَقَصَ وَإِمَّا عِلْمٌ زَادَ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ انْتِفَاعِهِ بِهِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عُرِفَ بِهِ عِيَاضٌ أَيْضًا وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ قَالَ: ذَهَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ لِيَزُورَهُ بِالزَّهْرَاءِ قَالَ: وَكَانَ صَدِيقَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>