فَدَعَاهُ إلَى الْأَكْلِ مَعَهُ فَأَكَلَ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ إلَّا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ، فَقِيلَ لِابْنِ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَمْسَكْتُ عَنْ طَعَامِهِ لَكَانَ جَفَاءً عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَوَّمْتُ مَا أَكَلْت وَأَجْمَعْت عَلَى الصَّدَقَةِ بِهِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ، وَرَأَيْت هَذَا أَفْضَلَ مِنْ الشُّهْرَةِ وَالْجَفَاءِ عَلَى الرَّجُلِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ عَنْ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ بِالْحَرَامِ، هَلْ تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ؟ فَقَالَ: فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ أَنَّ الْفُقَرَاءَ لَمْ يَسْتَحِقُّوا عَيْنَ مَا بِيَدِهِ إنَّمَا اسْتَحَقُّوا قَدْرَهُ خَاصَّةً لَا عَيْنَهُ، فَإِذَا بَذَلَ لَهُ مِثْلَهُ فَلَا مَضَرَّةَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ خَيْرًا إذَا كَانَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِمَّا يُخْفِيهِ وَكَانَ الَّذِي بَذَلَ لَهُ مِمَّا يُظْهِرُهُ إذْ قَدْ يُقَامُ عَلَيْهِ فَيُوجَدُ لَهُ مَا يُؤْخَذُ لَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا أَيْضًا هَلْ هُوَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ الْحَرَامَ إذَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ صَارَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ مَالًا مِنْ مَالِهِ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهُ لَهُ. وَقَدْ بَالَغَ فِي الْإِحْيَاءِ فِي هَذَا وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: لَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَسْرِقَ مَالَ ظَالِمٍ وَلَا لَك أَنْ تُخْفِيَ وَدِيعَتَهُ وَتُفَرِّقَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِشِرَاءٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّ كَوْنَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ تَحْتَ يَدِهِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى.
وَانْظُرْ قَوْلَهُ " فِي ذِمَّتِهِ " مَذْهَبُنَا نَحْنُ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَى مُطْلَقًا إذَا لَمْ يُكْرِهْ الْبَائِعَ عَلَى الْبَيْعِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى ذَلِكَ الشِّقْصَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَغْصُوبَةً فَلَكَ أَنْتَ أَنْ تَشْفَعَ فِي ذَلِكَ الشِّقْصِ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَإِذَا قَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهَا أَتْبَعَهُ بِهَا وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِعَبْدٍ مَغْصُوبٍ فَلَا شُفْعَةَ لَك حَتَّى يَفُوتَ الْعَبْدُ وَيَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ.
وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ إذَا تُوُفِّيَ هَذَا الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا كَانَ حَرَامًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَفُتْ أَوْ كَانَ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ، وَهَكَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ هَلَكَ وَتَرَكَ مَالًا حَرَامًا فَقَالَ مَا نَصُّهُ: أَجَازَ وِرَاثَتَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبَاهُ الْقَاسِمُ وَغَيْرُهُ، وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ أَهْلَهُ فَيَرُدَّ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهُ فَلَا يَقْضِي عَلَى الْوَرَثَةِ بِأَنْ يَتَصَدَّقُوا بِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي لَهُمْ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ هِيَ فُتْيَا الْأَشْيَاخِ فِي أَشْخَاصِ الْمَسَائِلِ دُونَ كَلَامِهِمْ الْعَامِّ فِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ فِيمَنْ عَمِلَ لِلسَّلَاطِينِ فَظَلَمَ النَّاسَ أَوْ كَانَ قَاهِرًا غَاصِبًا أَوْ قَاطِعًا لِلسُّبُلِ أَوْ سَارِقًا أَوْ تَاجِرًا عَمِلَ بِالرِّبَا ثُمَّ مَرِضَ وَأَرَادَ التَّنَحِّيَ مِمَّا نَالَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ فِي مَرَضِهِ إنِّي نِلْت مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute