أَمْوَالِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَالِي فَأَنَا أُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي. قَالَ: فَأَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى: إنْ أَبَى الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْفُقَرَاءِ إلَّا الثُّلُثُ خَاصَّةً، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ طَالِبًا مُعَيَّنًا وَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ فَذَلِكَ كَالدَّيْنِ انْتَهَى.
وَانْظُرْ إنْ قَامَ السُّلْطَانُ عَلَى مِثْلِ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ كَالطَّالِبِ الْمُعَيَّنِ إلَّا إنْ كَانَ مَا بَاعَ مَضَى. وَنَحْوُ هَذَا قَبْلَ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ تَرْجَمَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الشُّورَى فِيمَا خَلَفَهُ ابْنُ السَّقَّاءِ قَيِّمُ دَوْلَةِ ابْنِ جَوْهَرٍ، وَأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ اسْتِطَالَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَفَاهَةٍ وَفَرَهٍ يَوْمَ وَلِيَ النَّظَرَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ هُذَيْلٍ وَابْنُ مَالِكٍ أَنَّ جَمِيعَ مَا خَلَّفَهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَا تَرَكَهُ مُسْتَغْرَقُ الذِّمَّةِ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي تَرِكَتِهِ أَكْثَرُ ضَرَبَ الْغُرَمَاءُ فِيمَا يَبْقَى بَعْدَ أَخْذِ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَجِبُ لَهُ. وَمِنْ وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَفَادَهُ الْعُمَّالُ كَمَا «فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ الْعَامِلِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي قَالَ هَذَا أُهْدِيَ لِي وَقَالَ: هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ مَا يُهْدَى إلَيْهِ» . وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَكُلُّ مَا اسْتَفَادَهُ وَالٍ مِنْ مَالٍ سِوَى رِزْقِهِ وَقَاضٍ فِي قَضَائِهِ فَلِلْإِمَامِ أَخْذُهُ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَشَاطَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى وَغَيْرَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَانْظُرْ قَضِيَّتَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ شَاطَرَ بَنِيهِ فِي الرِّبْحِ الَّذِي رَبِحَاهُ فِيمَا سَلَّفَهُمَا أَبُو مُوسَى. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَاسْتَسْهَلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الشَّكْوَى بِاَلَّذِينَ يُرْسِلُونَ الْبَهَائِمَ فِي الْكُرُومِ إلَى حَاكِمِ الْفَحْصِ فَيُلْزِمُهُمْ عَلَيْهَا شَيْئًا مَدْخُولًا عَلَيْهِ، وَكُنْت أَنَا أَسْتَحْسِنُ هَذَا وَأَحْتَجُّ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَغْرِقُو الذِّمَّةِ، فَكُلُّ مَا أَغْرَمَهُمْ فَسَائِغٌ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَالَ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ سَائِغٌ لِكُلِّ النَّاسِ كَالْفَيْءِ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَانْظُرْ أَيْضًا مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ هَلْ يَسُوغُ لَهُ إمْسَاكُ مَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ مَالٍ بِإِرْثٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ يَصْرِفُهُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبَاعَاتِ. فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ حُكْمُ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا لَهُ أَنْ يَمْسِكَهَا كَمَا قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ الَّذِي وُجِدَ فِي الْكِفَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَغْنَمِ مَالًا كَثِيرًا وَقَدْ وَقَعَ لَهُ.
وَلِابْنِ الْحَاجِّ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِمَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute